السلطان ابن اللحياني إلى الحضرة، وأقاموا بها أياما، ثم ردّهم إلى بلدهم أيام مجافاته عن تونس وخروجه إلى ناحية قابس.
ثم هلك خلال ذلك مكي، وخلّف صبيين يافعين عبد الملك وأحمد فكفلهما ابن ليدان إلى أن شبّا واكتهلا، ولهما من الامتناع على الدولة والاستبداد بأمر القطر والاقتصار على الدعاء للخليفة مثل ما كان لأبيهما وأكثر لتقلّص ظل الملك عن قطرهم، وشغل السلطان بمدافعة يغمراسن وعساكرهم عن الثغور الغربية، اجلابهم بالأعياص من أهل البيت على الحضرة، ولما هلك السلطان أبو يحيى اللحياني بمصر قفل ابنه عبد الواحد إلى المغرب يحاول أسباب الملك، ونزل بساحتهم على ما كان من صنائع أبيه إليهم فذكروا العهد، وأوجبوا الحق وآتوا بيعتهم. وقام كبيرهم عبد الملك بأمره ودعا الناس إلى طاعته، وخالف السلطان أبا يحيى عند نهوضه إلى الثغر ببجاية سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة كما قدّمناه، فدخل الحضرة ولبث بها أياما لم تبلغ نصف شهر، وبلغ خبرهم إلى السلطان فانكفأ راجعا وفرّوا إلى مكانهم من قابس، والدولة تنظر إليهم الشزر وتتربص بهم الدوائر إلى أن غلب السلطان أبو الحسن على تلمسان ومحا دولة آل يغمراسن، وفرغت الدولة من شأنهم إلى تمهيد أعمالهم وتقويم المنحرفين عن الطاعة من ولاتها.
وقفل حمزة بن عمر بشفاعة السلطان أبي الحسن إلى السلطان أبي يحيى في شأنه فتقبّل وسيلته واستخلصه لنفسه من بعدها، واستقام هو على الطاعة التي لم تجد وليجة عنها، وسلك سبيله تلك أقتاله من الدولة الطائحين في هوة الشقاق، فأوفده عبد الملك هذا شقيقه أحمد على السلطان أبي الحسن متنصّلا من ذنوبه لائذا بشفاعته متوسلا بما قدمناه من خدمته حظاياه في طريقهن إلى الحج ذاهبا وجائيا، فخاطب السلطان أبا يحيى في شأنه وأعاده إلى مكانه من اصطناع سلفه واستقام على طاعته.
ولما انتظم السلطان أبو يحيى سائر البلاد الجريدية في ملكه وعقد عليها لابنه أبي العباس ولي عهده، وأنزله دار إمارتها مترددا ما بين توزر وقفصة إلى أن قفلت عمته من الحج سنة ست وأربعين وسبعمائة، وخرج للقائها مختفيا بين الظعائن فجمعه مجلسها بأحمد بن مكي كان قد اعتمد تلقّيها والقيام بصحابتها في مراحل سفرها من بلده إلى آخر عمله، فمسح الأمير أبو العباس الإحف عن صدره وأدال له الأمن والرضى من توحّشه، واستخلصه لدولته ونجوى أسراره واصطفاه لنفسه وحمله رديفا