مغضبا فاسترضاه وجهّز له الجيوش، وزحف إلى أبي السرايا وأصحابه فغلبهم على المدائن، وهزمهم وقتل منهم خلقا، ووجّه أبو السرايا إلى مكّة الحسين الأفطس ابن الحسن بن عليّ زين العابدين، وإلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن حسن المثنّى ابن الحسن، وإلى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق، وكان يقال له زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة فملكوا مكة والمدينة والبصرة، وكان بمكّة مسرور الخادم الأكبر، وسليمان بن داود بن عيسى، فلما أحسوا بقدوم الحسين فرّوا عنها، وبقي الناس في الموقف فوضى، ودخلها الحسين من الغد فعاث في أهل الموسم ما شاء الله. واستخرج الكنز الّذي كان في الكعبة من عهد الجاهلية وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، وقدره فيما قيل مائتا قنطار ثنتان من الذهب فأنفقه وفرّقه في أصحابه ما شاء الله. ثم إنّ هرثمة واقع أبا السرايا فهزمه، ثم بحث عن منصور ابن المهدي فكان أميرا معه، واتبع أبا السرايا فغلبه على الكوفة، وخرج الى القادسية، ثم الى واسط، ولقيه عاملها وهزمه، ولحق بجلولاء مغلولا جريحا فقبض عليه عاملها وقدمه الى الحسن بن سهل بالنهروان فضرب عنقه، وذلك سنة مائتين.
وبلغ الخبر الطالبيّين بمكة فاجتمعوا وبايعوا محمد بن جعفر الصادق، وسمّوه أمير المؤمنين، وغلب عليه ابناه عليّ وحسين فلم يكن يملك معهما من الأمر شيئا، ولحق إبراهيم ابن أخيه موسى الكاظم ابن جعفر الصادق باليمن في أهل بيته فدعا لنفسه هنالك، وتغلّب على الكثير من بلاد اليمن، وسمّي الجزار لكثرة ما قتل من الناس.
وخلص عامل اليمن وهو إسحاق بن موسى بن عيسى إلى المأمون فجهّزه لحرب هؤلاء الطالبيين فتوجّه إلى مكة وغلبهم عليها، وخرج محمد بن جعفر الصادق إلى الأعراب بالساحل فاتبعهم إسحاق وهزمهم، ثم طلبهم وطلب محمد الأمان فأمّنه، ودخل مكّة وبايع للمأمون وخطب على المنبر بدعوته، وسابقته الجيوش إلى اليمن فشرّدوا عنه الطالبيّين وأقاموا فيه الدعوة العباسية، ثم خرج الحسين الأفطس ودعا لنفسه بمكة، وقتله المأمون وقتل ابنيه عليّا ومحمدا. ثم إنّ المأمون لما رأى كثرة الشيعة واختلاف دعاتهم وكان يرى مثل رأيهم أو قريبا منه في شأن عليّ والسبطين فعهد بالعهد من بعده لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سنة احدى ومائتين، وكتب بذلك إلى الآفاق، وتقدّم إلى الناس فنزع السواد ولبس الخضرة، فحقد بنو العبّاس ذلك من أمره وبايعوا بالعراق لعمّه إبراهيم بن المهدي سنة اثنتين ومائتين، وخطب له