إليه: من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد. وكان عبد الله بن عامر يبغض زيادا وقال يوما لبعض أصحابه: من عبد القيس؟! ابن سميّة يقبّح آثاري ويعترض عمّالي لقد هممت بقسامة من قريش أنّ أبا سفيان لم ير سميّة! فأخبر زياد بذلك فأخبر به معاوية، فأمر حاجبه أن يردّه من أقصى الأبواب وشكا ذلك إلى يزيد، فركب معه فأدخله على معاوية فلما رآه قام من مجلسه ودخل إلى بيته فقال يزيد: نقعد في انتظاره فلم يزالا حتى عدا ابن عامر فيما كان منه من القول، وقال: إني لا أتكثر بزياد من قلّة ولا أتعزّز به من ذلّة ولكن عرفت حق الله فوضعته موضعه فخرج ابن عامر وترضّى زيادا ورضي له معاوية.
كان زياد بعد صلح معاوية واستلحاقه نزل الكوفة وكان يتشوّف الامارة عليها. فاستثقل المغيرة ذلك منه فاستعفى معاوية من ولاية الكوفة فلم يعفه. فيقال إنه خرج زياد إلى الشام، ثم إنّ معاوية عزل الحرث بن عبد الله الأزدي عن البصرة وولّى عليها زيادا سنة خمس وأربعين، وجمع له خراسان وسجستان ثم جمع له السند والبحرين وعمان، وقدم البصرة فخطب خطبته البتراء وهي معروفة، وإنما سمّيت البتراء لأنه لم يفتحها بالحمد والثناء، فحذّرهم في خطبته ما كانوا عليه من الانهماك في الشهوات والاسترسال في الفسق والضلال، وانطلاق أيدي السفهاء على الجنايات وانتهاك الحرم وهم يدنون منهم، فأطال في ذلك عنّفهم ووبّخهم وعرّفهم ما يجب عليهم في الطاعة من المناصحة والانقياد للأئمة وقال: لكم عندي ثلاث لا أحتجب عن طالب حاجة ولو طرقني ليلا ولا أحبس العطاء عن اباية ولا أحمر البعوث [1] فلما فرغ من خطبته قال له عبد الله بن الأيهم: أشهد أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب. قال: كذبت ذاك نبيّ الله داود ثم استعمل على شرطته عبد الله بن حصين وأمره أن يمنع الناس من الولوج بالليل. وكان قد قال في خطبته لا أوتي بمدلج إلّا سفكت دمه وكان يأمر بقراءة سورة البقرة بعد صلاة العشاء مؤخرة ثم يمهل بقدر ما يبلغ الرجل أقصى البصرة، ثم يخرج صاحب الشرطة فلا يجد أحدا إلّا قتله. وكان أوّل من شدّد أمر السلطان وشيّد الملك فجرّد السيف وأخذ بالظنّة وعاقب على الشبهة وخافه السفهاء والذعّار وأمن الناس على أنفسهم ومتاعهم حتى كان الشيء يسقط من يد الإنسان فلا يتعرّض له أحد حتى يأتي صاحبه فيأخذه ولا يغلق أحد بابا وأدرّ العطاء واستكثر من الشرط فبلغوا أربعة آلاف [2] وسئل في