الْمطلب، سَافر إِلَى بَغْدَاد ثمَّ إِلَى الْحجاز وَأقَام بِمَكَّة وَالْمَدينَة أَربع سِنِين يدرس ويفتي ويصنف وَأم فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَبِذَلِك لقب ثمَّ رَجَعَ إِلَى نيسابور وَجعل إِلَيْهِ الخطابة ومجلس الذّكر والتدريس ثَلَاثِينَ سنة وحظي عِنْد نظام الْملك، وَمن تلاميذه: الْغَزالِيّ وحسبك وَأَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْحسن عَليّ الطَّبَرِيّ الكيالهراسي، وَادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ الِاجْتِهَاد الْمُطلق لِأَن أَرْكَانه حَاصِلَة لَهُ، ثمَّ عَاد إِلَى اللَّائِق بِهِ وتقليد الإِمَام الشَّافِعِي لعلمه أَن منصب الِاجْتِهَاد قد مَضَت سنوه.
قلت: وَلما مرض حمل إِلَى قَرْيَة مَوْصُوفَة باعتدال الْهَوَاء وخفة المَاء اسْمهَا بشتقان فَمَاتَ بهَا وَنقل إِلَى نيسابور تِلْكَ اللَّيْلَة وَدفن من الْغَد فِي دَاره، ثمَّ نقل بعد سِنِين إِلَى مَقْبرَة الْحُسَيْن فَدفن بِجنب أَبِيه وَصلى عَلَيْهِ وَلَده أَبُو الْقَاسِم، فأغلقت الْأَسْوَاق يَوْم مَوته وَكسر منبره فِي الْجَامِع وَقعد النَّاس لعزائه ورثوه كثيرا، وَمِنْه:
(قُلُوب الْعَالمين على المقالي ... وَأَيَّام الورى شبه اللَّيَالِي)
(أيثمر غُصْن أهل الْعلم يَوْمًا ... وَقد مَاتَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي)
وَكَانَ تلامذته يَوْمئِذٍ نَحْو أَرْبَعمِائَة فكسروا محابرهم وأقلامهم وَأَقَامُوا كَذَلِك عَاما كاملاُ، وَالله أعلم. ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة.
لما قتل سُلَيْمَان بن مُسلم بن قُرَيْش أرسل سُلَيْمَان بن قطلمش إِلَى ابْن الحتيتي العباسي مقدم أهل حلب يطْلب تَسْلِيمهَا، فاستمهله إِلَى أَن يُكَاتب السُّلْطَان ملكشاه، وَأرْسل ابْن الحتيتي يَسْتَدْعِي تتش صَاحب دمشق ابْن ألب أرسلان أَخا السُّلْطَان ملكشاه، فَسَار تتش إِلَى حلب وَمَعَهُ أرتق بن أكسك قد فَارق ملكشاه خوفًا من إِطْلَاق مُسلم بن قُرَيْش من آمد حَسْبَمَا مر، وَجَرت حَرْب بَين تتش وَابْن عَمه سُلَيْمَان بن قطلمش فَانْهَزَمَ عَسْكَر سُلَيْمَان وَثَبت سُلَيْمَان وَأخرج سكيناً قتل بهَا نَفسه، وَقيل قتل فِي المعركة.
وَكَانَ سُلَيْمَان بعث جثة مُسلم بن قُرَيْش على بغل ملفوفة فِي إِزَار إِلَى حلب ليسلموها إِلَيْهِ فِي السّنة الْمَاضِيَة، فَأرْسل تتش جثة سُلَيْمَان فِي هَذِه السّنة فِي إِزَار إِلَى حلب ليسلمها إِلَيْهِ، فَأَجَابَهُ ابْن الحتيتي بالمطاولة إِلَى أَن يرد مرسوم ملكشاه فِي أَمر حلب بِمَا يرَاهُ، فحاصر تتش حلب وملكها فَاسْتَجَارَ ابْن الحتيتي بأرتق فأجاره وَكَانَ بقلعة حلب مُنْذُ قتل مُسلم بن قُرَيْش سَالم بن مَالك بن بدران الْعقيلِيّ ابْن عَم شرف الدولة مُسلم بن قُرَيْش، فحاصر تتش القلعة سَبْعَة عشر يَوْمًا فَبَلغهُ وُصُول تقدمة أَخِيه السُّلْطَان ملكشاه.
تمّ بعونه تَعَالَى الْجُزْء الأول من تَارِيخ ابْن الوردي ويليه إِن شَاءَ الله الْجُزْء الثَّانِي وأوله: ذكر وُصُول ملكشاه إِلَى حلب