الطوفان وَالْهجْرَة ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَخمْس وَعِشْرُونَ سنة وَهَذَا فِي الزيج المأموني وَغَيره، وَقَول المؤرخين بَينهمَا ثَلَاث آلَاف وَتِسْعمِائَة وَأَرْبع وَسَبْعُونَ سنة فالتفاوت بَينهمَا 249 سنة، وَسبب هَذَا الِاخْتِلَاف أَن من هبوط آدم إِلَى وَفَاة مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يعلم إِلَّا من التَّوْرَاة، والتوراة مُخْتَلفَة على ثَلَاثَة نسخ - كَمَا سَيَأْتِي - وَمَا بَين وَفَاة مُوسَى إِلَى ابْتِدَاء ملك بخْتنصر يعلم من المنجمين؛ قَالَ أَبُو عِيسَى: وَيعلم من قرانات زحل والمشترى فِي المثلثات، وهم أَيْضا مُخْتَلفُونَ فِي ذَلِك، وَيعلم أَيْضا من سفر قُضَاة بني إِسْرَائِيل وَهُوَ أَيْضا غير مُحَصل، وَأما مَا يُؤْخَذ عَن المؤرخين قبل الْإِسْلَام فمضطرب أَيْضا فَإِنَّهُم أَرخُوا بابتداء ملك كل ملك مِنْهُم فكثرت ابتداءات تواريخهم؛ قَالَ حَمْزَة الْأَصْفَهَانِي: وفسدت تواريخهم بِسَبَب ذَلِك فَسَادًا لَا مطمع فِي إِصْلَاحه مَعَ بعد الْعَهْد وَتغَير اللُّغَات وَعدم الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي هَذَا الْفَنّ فَتعذر التَّحْقِيق.
الْأَمر الثَّانِي: (إِن نسخ التَّوْرَاة ثَلَاث: السامرية والعبرانية واليونانية، فالسامرية تنبىء أَن من هبوط آدم إِلَى الطوفان ألفا وثلثمائة وَسبع سِنِين، وَكَانَ الطوفان لستمائة خلت من عمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وعاش آدم عَلَيْهِ السَّلَام تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ سنة بِاتِّفَاق. فَيكون نوح على حكم هَذِه التَّوْرَاة اِدَّرَكَ من عمر آدم فَوق مِائَتي سنة فنوح قد أدْرك جَمِيع أبائه إِلَى آدم وَهَذَا مُنكر، وتنبىء هَذِه النُّسْخَة أَن من انْقِضَاء الطوفان إِلَى ولادَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام تِسْعمائَة وَسبعا وَثَلَاثِينَ سنة وَأَن من ولادَة إِبْرَاهِيم إِلَى وَفَاة مُوسَى خَمْسمِائَة وخمسا وَأَرْبَعين سنة، فَمن آدم إِلَى وَفَاة مُوسَى حِينَئِذٍ ألفا وَسَبْعمائة وتسع وَثَمَانُونَ سنة.
وَفِيمَا بَين وَفَاة مُوسَى وَالْهجْرَة مذهبان: أَحدهمَا للمؤرخين، وَالثَّانِي للمنجمين فَإِذا ضممنا إِلَى ذَلِك مَا بَين وَفَاة مُوسَى وَالْهجْرَة وَكَانَ بَين هبوط آدم وَبَين الْهِجْرَة على حكم اخْتِيَار المؤرخين وَحكم توراة السامرة خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَسبع وَثَلَاثُونَ سنة، وَينْقص اخْتِيَار المنجمين عَن هَذِه الْجُمْلَة مِائَتَيْنِ وتسعا وَأَرْبَعين سنة، فقد ظهر فَسَاد هَذِه التَّوْرَاة من كَونهَا تَقْتَضِي إِدْرَاك نوح آدم وعيشه مَعَه الْمدَّة الطَّوِيلَة.
وَأما التَّوْرَاة العبرانية: ففاسدة أَيْضا، لِأَنَّهَا تنبىء ان بَين هبوط آدم والطوفان ألفا وَخَمْسمِائة سنة وستا وَخمسين سنة، وَبَين الطوفان وَبَين ولادَة إِبْرَاهِيم مِائَتَان وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ سنة، وعاش نوح بعد الطوفان ثلثمِائة وَخمسين سنة بِاتِّفَاق، فأنبأت التَّوْرَاة العبرانية أَن نوحًا أدْرك من عمر إِبْرَاهِيم ثمانيا وَخمسين سنة وَهَذَا مُنكر، فنوح لم يدْرك إِبْرَاهِيم وَلَا يجوز ذَلِك لِأَن قوم هود أمة نجمت بعد قوم نوح، وَأمة صَالح نجمت بعد أمة هود، وَإِبْرَاهِيم وَأمته بعد أمة صَالح بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى - يخبر عَن هود فِيمَا يعظ بِهِ قومه وهم قوم عَاد -: {واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فِي الْخلق بسطة} ، وَكَذَلِكَ أخبر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَن صَالح فِيمَا يعظ بِهِ قومه وهم ثَمُود ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .