لأنه معترض بينهما وعرفات بسيط من الأرض مد البصر لو كان محشر الخلائق لوسعهم، وفي آخر ذلك البسيط جبل الرحمة، وفيه وحوله موقف الناس والعلمان قبله بنحو الميلين فما أمام العلمين إلى عرفات حل وما دونهما حرم، وبمقربة منهما مما يلي عرفات بطن عرنة الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتفاع عنه في قوله صلى الله عليه وسلم عرفات كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة، فالواقف في عرنة لا يصح حجه فيجب التحفظ من ذلك وجبل الرحمة المذكور منقطع عن الجبال قائم في البسيط وهو حجارة منقطعة بعضها على بعض وكان صعب المرتقى فأحدثت فيه أدراج وطيئة واسعة من أربع جهات أنفق فيها مال عظيم، وفي أعلى الجبل قبة تنسب إلى أم سلمة رضي الله عنها والله أعلم بصحة ذلك وفي وسطها مسجد يتزاحم الناس للصلاة فيه، وحول ذلك المسجد المكرم سطح محدق به فسيح الساحة، جميل المنظر يشرف منه على بسيط عرفات وفي جهة القبلة منه جدار قد نصبت فيه محاريب يصلي الناس فيها وفي اسفل هذا الجبل المقدس عن يسار المستقبل القبلة فيه دار عتيقة البنيان في أعلاها غرف لها طيقان تنسب إلى آدم صلى الله عليه وسلم، وعن يسار هذه الدار في استقبال القبلة الصخرات التي كان عندها موقف النبي صلى الله عليه وسلم وهي في جبل متطامن وحول جبل الرحمة والدار المكرمة المذكورة صهاريج الماء وجباب، وعن يسار الدار ويسار القبلة مسجد قديم فسيح البناء بقي منه الجدار القبلي ينسب إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيه يخطب الخطيب يوم الوقفة وعن يسار العلمين في استقبال القبلة وادي الأراك وهو أراك أخضر يمتد في ذلك البسيط مع البصر امتدادا طويلا وكان الوقوف بعرفات يوم الأربعاء التاسع لذي حجة فخطب في ذلك المقام العظيم، والمشهد الكريم الشيخ الخطيب الولي أبو عبد الله خليل المذكور آنفا بعد أن جمع بين الظهر والعصر خطبة محبرة. نظم شذورها، وأحكم فصولها فذرفت منها العيون. ووجلت لها القلوب، وعلا الضجيج، وأرتفع النشيج وتراكم الحجيج، ووقف جميع الناس خاشعين، باكين داعين إلى الله عز وجل في الرحمة والمغفرة متضرعين، فما شهدت يوما كان اكثر مدامع، ولا قلوبا خواشع، ولا أعناقا لهيبة الله تعالى خوانع خواضع، من ذلك اليوم، فما زال على تلك الحالة والشمس تلفح وجوههم. والرحمة بفضل الله تعالى تكنف جميعهم، حتى سقط قرص الشمس وتمكن غروبها، ولما حان الوقت أشار الإمام بيده ونزل عن موقفه فدفع الناس بالنفر دفعا وارتجت منه الأرض ورجفت له الجبال فيا له موقفا ما اعظم مراءاه وأرجى في النفوس عقباه، جعلنا الله تعالى ممن خصصه فيه برضاه، وتعمده برحماه، انه منعم كريم، غفور رحيم، وروى ابن المبارك عن أنس بن مالك قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات وكادت الشمس أن تغرب فقال يا بلال أنصت لي الناس، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنصت الناس فقال: معاشر الناس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال ان الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المعشر وضمن عنهم التباعات فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة، فقال هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر بن الخطاب كثر خير الله وطاب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وروى النسائي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحج والعمرة فانهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة وفي صحيح مسلم عن أبن هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق يرجع كيوم ولدته أمه.