من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدّوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامّا وخاصا وعزما وإرشادا، وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر (?) .
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله- عز وجل- لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاما وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغهم عن الله- عز وجل- وما سنّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده، بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله- عز وجل- بما منّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة فنفى عنهم الشكّ والكذب والغلط والرّيبة والغمز، وسمّاهم عدول الأمة، فقال- عز وجل- في محكم كتابه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: 143] .
ففسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله- عز ذكره- قوله: وَسَطاً قال: " عدلا" (?) فكانوا عدول الأمة وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسّنّة، وندب الله- عز وجل- إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم، والسلوك لسبيلهم، والاقتداء بهم، فقال: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ