[ز] مسحته اللفظية المميزة: فهي مسحة خلابة عجيبة، تتجلى في نظامه الصوتي وجماله اللغوي، فأما نظامه الصوتي فإنك تجده متسقا مؤتلفا في حركاته وسكناته ومدوده وغنّاته، واتصالاته وسكتاته، اتساقا عجيبا وائتلافا رائعا، يسترعي الأسماع ويستهوي النفوس بطريقة لا يمكن أن يصل إليها أي كلام آخر من منظوم ومنثور.
فجرسه الصوتي يجذب السامع له ويلفت انتباهه، حتى لو كان أعجميا لا يعرف اللغة العربية، ولعل هذا هو الذي حمل بعض العرب في عهد النبوة أن يقولوا: إنه شعر، ثم عادوا إلى أنفسهم فعلموا أنّه فوق الشعر وأنه لا يسير على منهج الشعر ومنواله فقالوا: هو سحر.
وأما جماله اللغوي فيظهر فيما امتاز به في رصف حروفه وترتيب كلماته ترتيبا بديعا، بحيث أنك تجد لذة حين تسمع حروف القرآن خارجة من مخارجها الصحيحة، فحرف يصفر وآخر ينقر، وهذا يخفى وذاك يظهر، وهذا يهمس وذاك يجهر، فخرج للناس بمجموعة مختلفة مؤتلفة، جامعة بين اللبن والشدة، والخشونة والرقة، والجهر والخفية على وجه دقيق محكم، وضع كلا من الحروف المتقابلة في موضعه بميزان، حتى تألف من مجموع ذلك قالب لفظي مدهش بلغ جماله اللغوي قمة الإعجاز، بحيث لو أدخل في القرآن شيء من كلام الناس لاعتل مذاقه في أفواه قارئيه واختل نظامه في آذان سامعيه (?) .
[ح] إحكام ترابطه وكمال تناسقه: مع كونه قد نزل مفرقا حسب الحوادث في ثلاث وعشرين عاما، بينما البشر يعجزون أن يصنفوا كلاما مترابطا كترابط القرآن إذا كان قد قيل في مناسبات مختلفة وفي أزمنة متباعدة.