إنه مما لا يحتاج إلى كلام أن أهل الوقت صارت هممهم مصروفة إلى نيل العلوم والإكثار منها مع فساد القصد من إرادة الدنيا والرئاسة، ولذلك يتحاضون على كثرة القراءة والمطالعة واقتناء الكتب مطلقاً وأكثرهم يزعم أن هذا هو الكمال مع أنه طريق الفلاسفة ونهجهم؛ حيث يرون أن كمال النفس بمجرد العلم.
قال ابن القيم رحمه الله في كلامه عن الفلاسفة: (وجعلوا كمالها العلمي في مجرد العلم وغلطوا في ذلك من وجوه كثيرة وذكر كلاماً ثم قال: ومنها أن كمال النفس في العلم والإرادة لا في مجرد العلم؛ فإن مجرد العلم ليس بكمال للنفس مالم تكن مريدة محبة لمن لا سعادة لها إلا بإرادته ومحبته، فالعلم المجرد لا يعطي النفس كمالاً ما لم تقترن به الإرادة والمحبة). (?)
وقال رحمه الله: (فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفع لم يبق فيه موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه، وسِرّ ذلك أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه، كما إذا مال لغير محبة الله لم يبق فيه ميل إلى محبته).