فكذلك لا يخرج حق من العلم به والعمل بما جاء به، فما جاء به هو الكافي الذي لا حاجة بالأمة إلى سواه، وإنما يحتاج إلى غيره من قلّ نصيبه من معرفته وفهمه، فبحسب قلة نصيبه من ذلك تكون حاجته وإلا فقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وقد ذكر للأمة منه علماً وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود والأكل والشرب والركوب والنزول ووصف لهم العرش والكرسي والملائكة والجنة والنار ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين، وعرّفهم بربهم ومعبودهم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه بما وصفه لهم به من صفات كماله ونعوت جلاله، وعرّفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرّفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يُعَرّفه نبي لأمته قبله وعرّفهم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما جلّى لهم ذلك حتى كأنهم يعاينوه.
وكذلك عرّفهم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع طوائف أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة إلى كلام أحد من الناس البتة، وكذلك عرّفهم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق الظفر به مالو علموه وفعلوه لم يقم له عدو أبداً.