الحديث الرابع والستون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شفاء» رواه البخاري.
الإنزال هنا بمعنى: التقدير.
ففي هذا الحديث: إثبات القضاء والقدر، وإثبات الأسباب.
وقد تقدم أن هذا الأصل العظيم ثابت بالكتاب والسنة. ويؤيده العقل والفطرة. فالمنافع الدينية والدنيوية والمضار كلها بقضاء الله وتقديره، قد أحاط بها علما، وجرى بها قلمه، ونفذت بها مشيئته، ويسر العباد لفعل الأسباب التي توصلهم إلى المنافع والمضار، فكل ميسر لما خلق له: من مصالح الدين والدنيا، ومضارهما. والسعيد من يسره الله لأيسر الأمور وأقربها إلى رضوان الله، وأصلحها لدينه ودنياه، والشقي من انعكس عليه الأمر.
وعموم هذا الحديث يقتضي: أن جميع الأمراض الباطنة والظاهرة لها أدوية تقاومها، تدفع ما لم ينزل، وترفع ما نزل بالكلية، أو تخففه.
وفي هذا: الترغيب في تعلم طب الأبدان، كما يتعلم طب القلوب، وأن ذلك من جملة الأسباب النافعة. وجميع أصول الطب وتفاصيله، شرح لهذا الحديث؛ لأن الشارع أخبرنا أن جميع الأدواء لها أدوية. فينبغي لنا أن نسعى إلى تعلمها، وبعد ذلك إلى العمل بها وتنفيذها.
وقد كان يظن كثير من الناس أن بعض الأمراض ليس له دواء، كالسل ونحوه، وعندما ارتقى علم الطب، ووصل الناس إلى ما وصلوا إليه من علمه، عرف الناس مصداق هذا الحديث، وأنه على عمومه.