عن جابر بن عبد الله رضي الله عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" رَوَاهُ أَحْمَدُ ومُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ1.
هذا كلام جامع استدل به أهل العلم على مشروعية جميع ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلم، وما قاله في حجة وجوباً في الواجبات، ومستحباً في المستحبات، وهو نظير قوله صلّى الله عليه وسلم في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي"2 فكما أن ذلك يشمل جزئيات الصلاة كلها. فهذا يشمل جزئيات المناسك كلها.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام حسن جداً في خلاصة حج النبي صلّى الله عليه وسلم. ذكره في "القواعد النورانية". فقال قدس الله روحه ورضي عنه3: "وقد ثبت بالنقل المتواتر عند الخاصة من علماء الحديث من وجوه كثيرة في الصحيحين4 وغيرهما: أنه صلّى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع أحرم هو والمسلمون من ذي الحليفة. فقال: "من شاء أن يهل بعمرة فليفعل. ومن شاء أن يهل بحجة فليفعل. ومن شاء أن يهل بعمرة وحجة فليفعل" فلما قدموا وطافوا بالبيت وبين الصفا والمروة أمر جميع المسلمين الذين حجوا معه أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فإنه لا يُحل حتى يَبْلغ الهديُ مَحِلَّه، فراجعه بعضهم في ذلك. فغضب، وقال: "انظروا ما أمرتكم به فافعلوه". وكان هو صلّى الله عليه وسلم قد ساق الهدي، فلم يحل من إحرامه. ولما رأى كراهة بعضهم للإحلال قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي. ولجعلتها عمرة، ولولا أن معي الهدي لأحللت". وقال أيضاً: "إني لَبِّدْتُ رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر". فحل المسلمون جميعهم إلا النفر الذين ساقوا الهدي، منهم: رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله. فلما كان يوم التروية أحرم المحلون بالحج، وهم