والمشاق، وبالبركة في السير، حتى يقطع المسافات البعيدة، وهو غير مكترث، ويقيّض له من الأسباب المريحة في السفر أموراً كثيرة، مثل راحة القلب، ومناسبة الرفقة، وتيسير السير، وأمن الطريق من المخاوف، وغير ذلك من الأسباب.

فكم من سفر امتد أياماً كثيرة، لكن الله هونه، ويسره على أهله. وكم من سفر قصير صار أصعب من كل صعب. فما ثَمَّ إلا تيسير الله ولطفه ومعونته.

ولهذا قال في تحقيق تهوين السفر: "اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ" أي: مشقته وصعوبته "وكآبة المنظر" أي: الحزن الملازم والهم الدائم "وسوء المنقلب، في المال والأهل الوالد" أي: يا رب نسألك أن تحفظ علينا كل ما خلّفناه وراءنا، وفارقناه بسفرنا من أهل وولد ومال، وأن ننقلب إليهم مسرورين بالسلامة، والنعم المتواترة علينا وعليهم؛ فبذلك تتم النعمة، ويكمل السرور.

وكذلك يقول هذا في رجوعه، وعوده من سفره. ويزيد: "آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون" أي: نسألك اللهم! أن تجعلنا في إيابنا ورجوعنا ملازمين للتوبة لك، وعبادتك وحمدك، وأن تختم سفرنا بطاعتك، كما ابتدأته بالتوفيق لها.

ولهذا قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} [الإسراء:80] .

ومدخل الصدق ومخرجه، أن تكون أسفار العبد ومداخله ومخارجه كلها تحتوي على الصدق والحق، والاشتغال بما يحبه الله، مقرونة بالتوكل على الله، ومصحوبة بمعونته.

وفيه اعتراف بنعمته آخراً، كما اعترف بها أولاً، في قوله: "لربنا حامدون".

فكما أن على العبد أن يحمد الله على التوفيق لفعل العبادة والشروع في الحاجة فعليه أن يحمد الله على تكميلها وتمامها، والفراغ منها؛ فإن الفضل فضله، والخير خيره، والأسباب أسبابه. والله ذو الفضل العظيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015