الحديث السادس والسبعون: كرم الله تعالى.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ, يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ, يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْلِمُ فيستشهد". متفق عليه1.

هذا الحديث يدل على تنوع كرم الكريم، وأن كرمه وفضله متنوع من وجوه لا تعد ولا تحصى، ولا يدخل في عقول الخلق وخواطرهم.

فهذان الرجلان اللذان قتل أحدهما الآخر قيض الله لكل منهما من فضله وكرمه سبباً أوصله إلى الجنة.

فالأول: قاتل في سبيله، وأكرمه الله على يد الرجل الآخر - الذي لم يسلم بعد - بالشهادة التي هي أعلى المراتب، بعد مرتبة الصديقين، وغرضه في جهاده إعلاء كلمة الله، والتقرب إلى ربه بذلك. فأجره على الله. وليس له على القاتل حق، فثبت أجره على الله.

وأما الآخر: فإن الله تعالى جعل باب التوبة مفتوحاً لكل من أراد التوبة بالإسلام وما دونه، ولم يجعل ذنباً من الذنوب مانعاً من قبول التوبة، كما قال تعالى في حق التائبين: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] . فلما أسلم وتاب محا الله عنه الكفر وآثاره، ثم منَّ عليه بالشهادة، فدخل الجنة، كأخيه الذي قتله وأكرمه على يده، ولم يهنه على يد أخيه بقتله، وهو كافر.

فهذا الضحك من الباري يدل على غاية كرمه وجوده، وتنوع بره. وهذا الضحك الوارد في هذا الحديث وفي غيره من النصوص كغيره من صفات الله. على المؤمن أن يعترف بذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015