عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ1 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بضعفائكم؟ " رواه البخاري2.
فهذا الحديث فيه: أنه لا ينبغي للأقوياء القادرين أن يستهينوا بالضعفاء العاجزين، لا في أمور الجهاد والنصرة، ولا في أمور الرزق وعجزهم عن الكسب.
بيّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنّه قد يحدث النصر على الأعداء وبسط الرزق بأسباب الضعفاء, بتوجّههم ودعائهم, واستنصارهم واسترزاقهم.
وذلك أنّ الأسباب التي تحصل بها المقاصد نوعان:
نوع يشاهد بالحسّ, وهو القوة والشجاعة القوليّة والفعليّة, وبحصول الغنى والقدرة على الكسب, وهذا النوع هو الذي يغلب على قلوب أكثر الخلق, ويعلّقون به حصول النصر والرزق, حتّى وصلت الحال بكثيرٍ من أهل الجاهليّة أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر, ووصلت بغيرهم إلى أن يتضجّروا بعوائلهم الذين عدم كسبهم, وفقدت قوتهم, وهذا كلّه قصر نظر, وضعف إيمان, وقلّة ثقة بوعد الله وكفايته, ونظر للأمور على حقيقتها.
وأمّا النوع الثاني: أسباب معنويّة, وهي قوّة التوكل على الله في حصول المطالب الدينيّة والدنيوية, وكمال الثقة به, وقوّة التوجّه إليه والطلب منه.
وهذه الأمور تقوى جدّاً من الضعفاء العاجزين الذين ألجأتهم الضرورة إلى أن يعلموا حقّ العلم أنّ كفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله, وأنّهم في غاية العجز, فانكسرت قلوبهم, وتوجّهت إلى الله, فأنزل لهم من نصره ورزقه -من دفع المكاره, وجلب المنافع- ما لا يدركه