قال الأحنف: اضربوا الرأى بعضه ببعض يتولّد منه الصّواب، وتجنّبوا منه شدة الحزم، واتّهموا عقولكم، فإن فيها نتائج الخطأ، وذمّ العاقبة.
كان يقال: خذ الأمر مقلا، فشرّ الرأى: الدّبرىّ.
قال الشاعر، وهو القطامىّ:
وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعه اتباعا
قال بعض العرب: قبل الرّمى يراش السّهم وقال سابق: وقبل أوان الرّمى تملا الكنائن وقال الفارسىّ: بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة، وأنشد:
تدارك الأمر قبل نهبته ... أبلغ فيما تحبّ من دركه
قال بعض الحكماء: حقيق أن يوكّل إلى نفسه، من أعجب برأيه.
قال عبد الملك: اللحن هجنة الشريف، والعجب آفه الرأى.
قال قتيبه بن مسلم: من أعجب برأيه، لم يشاور كفيا، ولم يوات نصيحاً.
قال بزر جمهر: أفره الدّواب لاغنى به عن السّوط، وأعفّ النساء لا غنى بها عن الزواج، وأعقل الرجال لا غنى به عن المشورة.
قال عبد الملك بن مروان: لأن أخطئ وقد استشرت أحب إلىّ من أن أصيب من غير مشورة.
قال قتيبه بن مسلم: الخطأ مع الجماعة خيرٌ من الصواب مع الفرقة، وإن كانت الجماعة لا تخطئ، والفرقة لا تصيب.
قال المأمون: ثلاثٌ لا يعدم المرء الرشد فيهنّ: مشاورة ناصح، ومداراة حاسد، والتحبب إلى الناس.
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يستشير في الأمر، حتى إن كان ربما استشار المرأة، فأبصر في رأيها فضلا.
كان يقال: ما من قوم تمالئوا على أمرهم، ثم شاوروا امرأة إلا تبّر الله أمرهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لايفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.
كان يقال: من طلب الرّخصة من الإخوان عند المشورة، ومن الفقهاء عند الشبهة، من الأطباء عند المرض، أخطأ الرّأى، وحمل الوزر، وازداد مرضاً.
قال الشاعر، وأظنها لمنصور الفقيه:
إذا الأمر أشكل إنفاذه ... ولم تر منه سبيلا فسيحا
فشاور بأمرك في سترةٍ ... أخاك اللبيب المحبّ النّصيحا
فربّتما فرّج النّاصحون ... وأبدوا من الرّأى رأياً صحيحا
ولا يلبث المستشير الرّجال ... إذا هو شاور أن يستريحا
وقال آخر:
إنَّ الَّلبِيب إذا تفرّق أمره ... فتق الأمور مناظراً ومشاور
أخو الجهالة يستبدّ برأيه ... فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
وقال آخر:
وعاجز الرّأى مضياعٌ لفرصته ... حتّى إذا فات أمر عاتب القدرا
وقال آخر:
أنتم أناسٌ عظامٌ لا حلوم لكم ... لا تعلمون أجاء الرّشد أم غابا
لا تبصرون وجوه الرّأى مقبلة ... وتبصرون إذا ولين أذنابا
قال أبو عمر: الاستبداد مذموم عند جماعة الحكماء، والمشورة محمودة عند غاية العلماء، ولا علم أحداً رضى الاستبداد وحمده، إلا رجل واحد مفتون، مخادع لمن يطلب عنده لذته فيرقب غرته، أو رجلٌ فاتك يحاول حين الغفلة، ويرتصد الفرصة، وكلا الرّجلين فاسقٌ مائق، مثال أحدهما قول عمر بن أبى ربيعة. يخاطب من يخدعه.
ليت هنداً أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا مما تجد
واستبدت مرّة واحدةً ... إنّما العاجز من لا يستبد
ومثال الآخر، قول سعيد بن ثابت العنبرى الأعرابى
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكّب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السّيف صاحبا
سئل الحسن البصرىّ، عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تستضيئوا بنار المشركين فقال: أراد لا تستشيروا المشركين في أموركم ولا تأخذوا برأيهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أسّر إلى أخيه سرّاً لم يحلّ له أن يفشيه عليه.
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: من كتم سره كان الخيار بيده، ومن عرّض نفسه للتّهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به.
قال عباس بن عبد المطلب لابنه عبد الله رضى الله عنهما: يابنى إن أمير المؤمنين يدنيك - يعنى عمر بن الخطاب - فاحفظ عنى ثلاثاً: لا تفشينّ له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا يطّلعنّ منك على كذبة.