قال رجل من الأعراب ضرير النظر لابنته، وهي تقوده في المرعى: يا بنية انظري كيف ترين السماء؟ قالت كأنها قرون المعزي. قال: ارعي. فرعت ساعة، فقال: انظري كيف ترين السماء؟ قالت كأنها خيل دهم تجرّ جلالها. قال: ارعي. فرعت ساعة ثم قال: انظري كيف ترين السماء؟ قالت: كأن الرباب نعام تعلق بالأرجاء من السماء، قال: ارعي. ثم قال: انظري كيف ترين السماء؟ قالت. ابيضت واسودت ودنت فكأنها عين نفسٍ تطرف. قال: أنجي ولا أراك ناجية.
قال الشاعر:
أكلُّ وميض بارقةٍ كذوب ... أمافي الدَّهر شيءٌ لا يريب
أشار ضيف لقوم إلى بنت لهم لتقبله، فقالت والله إني إذاً لطويل العنق. فسمعها الشيخ، فقال: أشار والله إليها لتقبله.
للبيد أو للبعيث:
لعمرك ما تدري الطّوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطّير ما الله صانع
/باب الظّنّ والزّكانة قد تقدم في الباب الذي قبل هذا، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ظننتم فلا تحققوا " وقال الله تعالى: " إنّ الظّنّ لا يغنى من الحقّ شيئاً " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظنّ، فإن الظنّ أكذب الحديث.
قال عمر بن الخطاب: لا يحل لامرئٍ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءاً، وهو يجد لها في شئ من الخير مخرجاً.
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه.
قال علىّ بن طالب: حسن الظنّ بالله ألا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا ذنبك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ".
قال الحسن البصرىّ: إنّ المؤمن إذا أحسن الظن أحسن العمل.
قال أبو مسلم الخزلانى: أتّقوا ظنّ المؤمن، فإن الله جعل الحقّ على لسانه وقلبه.
قال عبد الله بن عباس: كفى بك ظلما ألا تزال مخاصماً، وكفى بك إثماً ألا تزال ممارياً.
وعن ابن مسعود: قال عبد الرحمن بن أبى ليلى: ما أمارى أخي أبداً، لأنى أرى أنى إما أن أكذبه وإما أن أغضبه.
قال عبد الله بن حسين على رضى الله عنهم: المراء رائد الغضب، فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب.
قال محّمد بن على بن حسين: الخصومة تمحق الدين وتنبت الشحناء في صدور الرجال.
كان يقال: لاتمار حليماً ولا سفيهاً، فإن الحليم يغلبك، والسفيه يؤذيك. قيل لعبد الله بن حسين: ما تقول في المراء؟ قال: يفسد الصداقة القديمة،ويحلّ العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن يكون دريثة للمغالبه والمغالبه، أمتن أسباب القطيعه. قال عبد الله بن عباس لمعاويه: هل لك في المناظرة فيما زعمت أنك خاصمت فيه أصحابى؟ قال: وما تصنع بذلك؟ أشغب بك وتشغب بي، فيبقى في قلبك ما لا ينفعك، ويبقى في قلبى ما يضرك.
قال إبراهيم التّيمى: إياكم والمخاصمات في الدين، فإنها تحبط الأعمال.
قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر التنقل.
قال الأوزاعىّ: إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل.
قال ابن أبي الزناد: ما أقام الجدل شيئاً إلا كسره جدل مثله.
وقد أفردنا في كتاب " بيان العلم " باباً فيما تجوز فيه المناظرة والجدال، وباباً فيما تكره فيه المناظرة والمجادلة، وأوردنا فيهما من الآثار عن السلف وأئمة الخلف ما فيه كفاية وبيان، والحمد لله وهو المستعان.
قال الأصمعى: سمعت أعرابيا يقول: من لاحى الرجال وماراهم قلت كرامته، ومن أكثر من شئ عرف به.
وقال مسعر بن كدام الهلالى يوصى ابنه كداما:
إّني منحتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق
أمّا المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرصاهما لصديق
إّني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاورٍ جار ولا لرفيق
والجهل يزرى بالفتى في قومه ... وعروقه في النّاس أىّ عروق
وقال وصعب الزبيرى:
أأقعد بعدما وجفت عظامى ... وكان الموت أقرب ما يلينى
أجادل كلّ معترض خصيمٍ ... وأجعل دينه غرضاً لدينى
فأترك ما علمت لرأى غيرى ... وليس الرّأى كالعلم اليقين
وما أنا والخصومة وهى لبس ... تصرف في الشّمال وفي اليمين