قيل لبعض العلماء: من أسوأ الناس حالا؟ قال: من اتسعت معرفته، وضاقت مقدرته، وبعدت همته، وأسوأ منه حالا: من لم يثق بأحد لسوء ظنه ولم يثق به أحدٌ لسوء فعله.
قال غيره من الحكماء: حسب البعيد الهمة أن تكون غايته الجنة.
قال أبو العتاهية:
الظَّنُّ يخطئ تارةً ويصيب
وقال آخر:
وإنِّي بها في كل حالٍ لواثقٌ ... ولكنّ سوء الظَّنِّ من شدّة الحبِّ
قال المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصَّدق ما يعتاده من توهُّم
قال ابن هرمة:
وحسبك تهمةً لنصيح قومٍ ... يمدُّ على أخي غدرٍ جناحا
قال أبو حازم: العقل التَّجارب، والحزم سوء الظن.
قال الحسن البصري: لو كان الرجل يصيب ولا يخطئ، ويحمد في كل ما يأتي لداخله العجب.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أفرس الناس كلِّهم - فيما علمت - ثلاثة: العزيز في قوله لامرأته حين تفرّس في يوسف: " أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتّخذه ولداً "، وصاحبة موسى حين قالت: " ياأبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويُّ الأمين ". وأبو بكر حين تفرّس في عمر رضي الله عنهما فاستخلفه.
نظر إياس بن معاوية يوماً، وهو بواسط، في الرحبة إلى آجرّة، فقال: تحت هذا الآجرّة حيّة، فنزعوا الآجرة فإذا تحتها حيةٌ منطوية، فسئل عن ذلك فقال: إنِّي رأيت ما بين الآجرتين نديَّاً من بين تلك الرحبة، فعلمت أن تحتها شيئاً يتنفس.
قال عمرو بن بحر: إذا نظر الأعرابي موضع منتفخ في أرض مستوية، فإذا رآه يتصدع في تهيّل، وكان تفتحه مستوياً علم أنها كمأة وإن خلط في التصدع والحركة علم أنها دابّة، فاتقى مكانها.
نظر إياس بن معاوية يوماً إلى صدع في الأرض، فقال: في هذا الصدع دابة. فنظروا فإذا فيه دابة، فقال: إن الأرض لا تنصدع إلا عن دابة أو نبات.
قال معن بن زائدة: ما رأيت قفا رجل قطّ إلا عرفت عقله، فقال له الفضل بن شهاب: فإن رأيت وجهه؟ قال: فذلك حينئذ في كتاب أقرأه.
ومر إياس بن معاوية ذات يوم بماء، فقال: أسمع صوت كلب غريب، قيل له: كيف عرفت ذلك؟ قال بخضوع صوته وشدة نباح غيره من الكلاب. قالوا: فإذا كلب غريب مربوط، والكلاب تنبحه.
وأماقول العماني:
ويفهم قول الحكل لو أنّ ذرّةً ... تساود أخرى لم يفته سوادها
فالحكل: كل من لم يكن له صوت تستبان مخارجه، أو كلام يفهم من الجواب كله. وأما قوله: تساود فمعناه تسارّ، والسَّواد: السِّرار، ومنه قول ابنة الخسِّ: حملني على هذا قرب الوساد، وطول السِّواد.
وفي حديث ابن مسعود: تعالى أساودك، أي أسارّك.
قال وهب بن منبّه خصلتان إذا كانتا في الغلام رجيت نجابته: الرَّهبة والحياء.
قال غيره: إذا استثقل الصبي الأدب، وضج من الحصر إلا أنه إذا حفظ وعي، وإذا فهم أدّى، كان ذلك ممن يرجى.
قال غيره: إذا كان الغلام حازماً في الخلاء، فظيع اللسان في الملاء، يبغض التعليم، ويوارب المعلم، ويقدم أباه على أمه، ويؤخِّر خاله على عمه، وكنيته أحبُّ إليه من اسمه، فإنه يرجى خيره وينتظر عزّه.
وقال ابن الزيّات: إذا رأيت الصبي يحب عاجل المكروه من غير أن يعرف عاجل المنفعة فهو مضعوف، قاله إذ رأى ابنه عمر يحب الكتاب فاغتّم له، فسئل عن ذلك، فقال ما ذكرنا، قال أبو عمر رضي الله عنه: قوله عندي هذا ليس بشيء.
وقال غيره: يستدل على نجابة الصبي بشيئين الحياء وحبّ الكرامة، أما الحياء فهو خير كله، وأما حب الكرامة فيدعو إلى اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل.
قال عمرو بن العاص: أنا للبديهة ومعاوية للأناة، والمغيرة للمعضلات، وزياد لصغار الأمور وكبارها.
أراد يوسف بن عمر بن هبيرة أن يولّي بكر بن عبد الله المزنيّ القضاء، فاستعفاه، فأبى أن يعفيه، فقال: أصلح الله الأمير، ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذباً فلا يحلّ لك أن تولّي الكاذبين، وإن كنت صادقاً، فلا يحل أن تولّي من لا يحسن.