دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه يعوده، فقال: كيف تجدك؟ قال: أجدني أرجو وأخاف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، مااجتمعا في قلب رجلٍ إلاّ أعطاه الله خير مايرجو منه، وآمنه من شر ما يخاف ".
قال أبو الدَّرداء: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.
قال مطرِّف بن عبد الله الشِّخِّير: لووزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا.
قال لقمان لابنه: يا بنيّ ارج الله رجاءٍلا تأمن فيه مكره، وخف الله مخافة لا تأيسنّ فيها من رحمته، فقال: كيف أستطيع ذلك، وإنما لي قلب؟ فقال يا بني! إن المؤمن كذي قلبين قلب يخاف به، وقلب يرجو به.
قال عليّ بن أبي طالب: خذوا عني هذه الكلمات، فلو رحَّلتم فيها المطيَّ حتى أنضيتموها لم تبلغوها: لا يرجو عبد إلاّ ربّه، ولا يخاف إلاّ ذنبه. وذكر كلاماً قد ذكرته بتمامه في كتاب " بيان العلم وفضله ".
كان يقال: من خاف الله ورجاه آمنه خوفه، ولم يحرمه رجاءه.
وقف محمد بن سليمان على قبر أبيه، فقال: اللهم إني أمسيت أخافك عليه وأرجوك له، فحقق رجائي، وآمن خوفي عليه.
قال مسلم بن يسار: ماأدري فيم خوف امرئ ورجاؤه إذا لم يمنعاه من ركوب شهوة إن عرضت له، أو لم يصبّراه على مصيبة إن نزلت به.
كتب بعض العلماء إلى بعض إخوانه: أمابعد، فإنه من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
للحسن بن هانئ وتنسب للشافعي رضي الله عنهما، والله أعلم:
خف الله وارجوه لكلِّ عظيمةٍ ... ولا تطع النَّفس الّلجوج فتندما
وكن بين هاتين من الخوف والرَّجا ... وأبشر بعفو الله إن كنت مسلما
وفيها:
فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرَّجا منِّي لعفوك سلَّما
وله:
قد كنت خفتك ثمَّ آمنني ... من أن أخافك خوفك الله
وقال العتابي:
رحل الرَّجا إليك مرتقباً ... حشدت إليه نوائب الدّهر
ردَّت إليك ندامتي أملي ... وثنا إليك عنانه شكري
وجعلت عتبك عتب موعظةٍ ... ورجاء عفوك منتهى عذري
وقال أعرابي، وقد أدخله البعيث في شعره:
وإني لأرجو الله حتّى كأنما ... أرى بجميل الظَّنِّ ماالله صانع
وقال منصور الفقيه:
قطعت رجائي من بني آدم طرَّا ... فأصبحت من رقّ الرَّجاء لهم حرَّا
وعدّل يأسي بينهم فأجلُّهمإذا ذكروا قدراً كأدناهم قدرا
غنيٌ لهم بالله لا متطاولاً ... على أحدٍ منهم ولا قائلاً هجرا
وكيف يعيب النَّاس بالمنع مؤمنٌ ... يرى النَّفع ممن يملك النَّفع والضُّرَّا
عليه اتّكالي في الشَّدائد كلِّها ... وحسبي به عند الشَّدائد لي ذخرا
أنشدني عبد الله بن محمد بن يوسف رحمه الله لنفسه:
أسير الخطايا عند بابك واقف ... على وجلٍ ممَّا به أنت عارف
يخاف ذنوباً لم يغب عنك غيبها ... ويرجوك فيها فهو راجٍ وخائف
فمن ذا الّذي يرجو سواك ويتَّقي ... ومالك من فصل القضاء مخالف
فياسيّدي لا تخزني في صحيفتي ... إذا نشرت يوم الحساب الصَّحائف
وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما ... يصدُّ ذوو ودِّي ويجفو المؤالف
لئن ضاق عنِّي عفوك الواسع الَّذي ... أرجِّى لإسرافي فإنِّي لتالف
وقال أبو العتاهية:
إذا ما اتَّقى الله امرؤٌ لان جانبه ... وقارب بالإحسان من لا يقاربه
يقول الفتى أرجو وأرجو وما له ... نزوعٌ عن الذَّنب الذي هو راكبه
ألا ليس يرجو الله من لاّ يخافه ... وليس يخاف الله من لا يراقبه
من النَّاس من يبصر الدَّهر جهله ... ويزداد فيه الضِّعف حتّى يعاتبه
كفي بصروف الدهر علماً وحكمة ... لمن لم يخنه علمه وتجاربه
ومن لم يثق بالله لم يصف عيشه ... ومن ضاق عنه الحقّ ضاقت مذاهبه
كان أبو سعيد السيره في كثيراً ما ينشد في مجلسه:
اسكن إلى سكنٍ تسرُّ به ... ذهب الزَّمان وأنت منفرد