وذكر ذنوب الوغد ترفع ذكره ... فدعه صريع النوم تحت القوادم
وفي معنى هذا البيت الأخير قول ذي الرمة:
قيل لي: قد هجاك مولى زياد ... فأجبه فقلت: ليس بكفوي
لست أهجوه إنه خامل الذِّك ... ر لعلَّ الخسيس يعلو بهجوي
هو كالكلب ينبح الَّليث رعباً ... فذروه يهرّ بعدي ويعوي
هو من سطوتي وبأس هجائي ... في أمانٍ ما بين حلمي وعفوي
كتب علي بن الجهم إلى الحسن بن وهب:
إن تعف عن عبدك المسيء ففي ... فضلك مأوىً للصّفح والمنن
أتيت ما أستحقُّ من خطإٍ ... فجد بما تستحقُّ من حسن
فجاوبه الحسن بن وهب بأبيات منها:
أعوذ بالودِّ الَّذي بيننا ... أن يفسد الأوَّل بالآخر
وله أيضاً:
أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الرَّدى
وقال آخر:
ألا إنَّ خير العفو عفوٌ معجَّل ... وشرُّ العقاب ما يجاز به القدر
وقال أعرابي:
ياربِّ قد حلف الأقوام واجتهدوا ... أيمانهم أنَّني من ساكني النَّار
أيحلفون على عمياء ويحهم ... جهلاً بعفو عظيم العفو غفَّار
وقال آخر:
ياربِّ عفوك عن ذي توبةٍ وجل ... كأنَّه من حذار النَّار مجنون
قد كان قدَّم أعمالاً مقاربةً ... أيّام ليس له عقلٌ ولا دين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ".
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يارسول الله دلَّني على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة، وأقلل لعلّي أحفظه. قال: " لا تغضب ".
وروي عنه عليه السلام أنه قال: " إذا غضبت قائماً فاقعد، وإذا غضبت قاعداً فقم أو قال: فاضطجع ".
أوحى الله إلى موسى: اذكرني عند غضبك، أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت فارض بنصرتي لك، فإنها خيرٌ من نصرتك لنفسك.
قال عيسى عليه السلام: يباعدك من غضب الله ألا تغضب.
أنشد ثعلب:
متى ترد الشِّفاء بكلِّ غيظٍ ... تكن ممَّا يغيظك في ازدياد
قال سليمان بن داود عليهما السلام: أعطينا ماأعطي الناس وما لم يعطوا، وعلِّمنا ما علِّم الناس ومالم يعلَّموا، فلم نر شيئاً أفضل من العدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وخشية الله في السِّر والعلانية.
قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنما يعرف الحلم ساعة الغضب.
وعنه أيضاً: عدوُّ العقل الغضب.
كان يقال: أول الغضب جنون، وآخره ندم ولا يقوم عزّ الغضب بذلِّ الاعتذار.
وروي: كل العطب في الغضب.
قيل للشعبي: لأي شيء يكون السّريع الغضب سريع الفيئة، ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة؟ قال: لأن الغضب كالنار فأسرعها وقوداً أسرعها خموداً. وهذا الخبر أصح عن عبد الله بن حسن، حكاية عن كسرى، ذكره ابن عائشة القرشي التيميّ عنه. قال: قيل لعبد الله بن حسن: مابال الرجل الحديد أسرع رجعةً من البطيء؟ فقال: سئل كسرى عن ذلك، فقال: مثلهمامثل النار في الحطب، أسرعها وقوداً أسرعها خموداً.
أراد المنصور خراب المدينة لإطباق إهلها على حربه مع محمد بن عبد الله بن حسن، فقال له جعفر بن محمد: ياأمير المؤمنين! إن سليمان أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف قدر فغفر، وقد جعلك الله من قبيل الذين يعفون ويصفحون فطفئ غضبه وسكت.
شهد سوَّار القاضي مجلس أبي جعفر المنصور يوماً فرآه قد غضب على أهل البصرة، فقال له: ياأمير المؤمنين! لا تغضب لله بما يغضب الله.
العرب تمدح بترك الغضب.
كان يقال: من أغضبته أنكرته.
قال الشاعر:
لم أقض من صحبة زيدٍ أربي ... فتىً إذا نهنهته لم يغضب
أبيض بسّامٌ وإن لم يعجب ... ولا يضنُّ بالمتاع المحقب
موكَّل الَّنفس بحفظ الغَّيب ... أقصى رفيقيه له كالأقرب
قال عبد الله بن قيس الرقيات:
مانقموا من بني أميَّة إلاَّ ... أنَّهم يحملون إن غضبوا
وأنَّهم سادة الملوك ولا ... تصلح إلاَّ عليهم العرب
قالوا: إذا غضب الرجل فليستلق، وإذا أعيا فليرفع رجليه.