لا تعجبن بما ترى فكأنه ... قد زال عنك زوال أمس الذاهب
قال منصور الفقيه:
كل من في هذه الدن ... يا من الناس ذليل
وأذل الناس من لم ... يرضه منها القليل
وقال آخر:
كم كافرٍ بالله أمواله ... تزداد أضعافاً على كفره
ومؤمن ليس له درهم ... يزداد إيماناً على فقره
لا خير فيمن لم يكن عاقلاً ... يمد رجليه على قدره
وقال منصور الفقيه:
منافسة الفتى فيما يزول ... على نقصان همته دليل
ومختار القليل أقل منه ... وكل فوائد الدنيا قليل
وله أيضاً:
إذا قال لي قائل كيف أن ... ت أقول له: أنا في عافيه
لأشياء منها الرضى بالكفاف ... وما كل نفسٍ به راضيه
وقال أيضاً:
ألا إن رزق الله ليس يفوت ... فلا ترعن إن القليل يقوت
رضيت بقسم الله حظاً لأنه ... تكفل رزقي من له الملكوت
سأقنع بالمال القليل لأنني ... رأيت أخا المال الكثير يموت
وقال الحسين بن الضحاك:
يا روح من حسمت قناعته ... سبب المطامع من غدٍ وغد
من لم يكن لله متهماً ... لم يمس محتاجاً إلى أحد
ويروى لأبي العتاهية أو العطوي:
عندي من الناس أنباء وتجربة ... على اختلافهم في العقل والشيم
حسبي بظل جدارٍ من مهادهم ... ومن مياههم ما أستقي بفم
كم قد أهابت بي الدنيا فقلت لها: إليك عني ففي أذني كالصمم
إني قنعت بقوتٍ لا أجاوزه ... وصون وجهي عن لالا وعن نعم
ولست أذخر فضل القوت عن أحدٍ ... في كل يوم يجىء الله بالطعم
لعبد الله بن المبارك وقيل إنها لغيره:
ومن البلاء وللبلاء علامة ... ألا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها ... والحر يشبع مرة ويجوع
وقال آخر:
إذا لم يهن عرضي على ولم يكن ... بوجهي من ذل السؤال كدوح
فقوت بلا ذمً وبيت يكنني ... وطمران أغدو فيهما وأروح
هو العيش لا ظل انتظار لموعدٍ ... ولا مالك أمري على شحيح
ولي أمل في الناس ليس شقاوةً ... سوى دين سياح عليه مسوح
وقال آخر:
يا رب ساع له في سعيه أمل ... أودى ولم يقض من لذاته الوطرا
ما ذاق طعم الغني من لا قنوع له ... ولا ترى قانعاً ما عشت مفتقرا
وقال منصور الفقيه:
إذا شئت أن تحيا بلا عائبٍ أصلا ... فكن راضياً بالقوت واجتنب الفضلا
وكاف ذوي الإجرام بالصفح عنهم ... وقل لهم إما لقيتهم أهلا
ولا تلق خلقاً سائلا وزن ذرةٍ ... ولو جاد بالدنيا نسائله بذلا
فما وضع المرء الحسيب ولا ارتقى ... بأدنى الورى بيتاً إلى المنزل الأعلى
سوى صبر هذا عن سواه وحرص ذا ... فبع بالغني فقراً وبالعزة الذلا
وقال آخر:
ما سرني أن نفسي غير قانعةٍ ... وأن أرزاق هذا الخلق تحت يدي
وقف أعرابي على الحسن، وهو يعظ جلساءه، فقال: يا أعرابي! ما أظنك تعلم شيئاً مما نحن فيه، فأنشأ يقول:
مهما جهلت فقد علم ... ت بأنني بشر أموت
والناس في طلب الغنى ... وغناهم من ذاك قوت
شادوا لغيرهم وبا ... دوا والقبور هي البيوت
وقال أبو العتاهية:
طال همي بغير ما يعنيني ... واشتغالي بكل ما يلهيني
ولو أني قنعت لم أبغ رزقي ... كان رزقي هو الذي يبغيني
ولعمري إن الطريق إلى الحق ... منير لناظر المستبين
أحمد الله حمد عبد شكور ... ما عليها إلا ضعيف اليقين
وقول أبي العتاهية: كان رزقي هو الذي يبغيني، مأخوذ - والله أعلم - من قول ابن أذينة:
أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني
وقد ذكرت هذه الأبيات في باب الرزق.
قال العطوي: