لما قدم سعد بن أي وقاص القادسية أميراً عليها من عند عمر بن الخطاب أتته حرقة بنت النعمان بن المنذر في خدمها ووصائفها، فلما وقفن بين يديه قال: أيكن حرقة بنت النعمان؟ قالت: هأناذه، فما أردت بتكرارك الاستفهام، إن الدنيا دار زوال لا تدوم لأهلها على حال، تنتقل بهم انتقال الظلال، وتعقبهم حالاً بعد حال، إنا كنا ملوك هذا المصر قبلك، يجبي إلينا خراجة ويطيعنا أهله مدة من الدهر، فلما أدبر عنا الأمر صاح بنا صائح الأيام، فصدع شملنا، وشتت ملأنا، وكذلك الدهر يا سعد، فلا تغتر بحال الدنيا، فإنها زائلة عنك كما زالت إليك. ثم سألته حوائجها فقضاها، فدعت: لا أزال الله عنك نعمة أتمها عليك.
كتب أبي بن كعب إلى أخٍ له: أما بعد، فإن الدنيا دار فناء، ومنزل قطيعة، رغب عنها السعداء، وانتزعت من أيدي الأشقياء، فغناها فقر، والعلم بها جهل.
كان يقال: الدنيا والآخرة ضرتان، إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى.
كان يقال: مثل الذي يريد أن تجتمع له الدنيا والآخرة، مثل عبدٍ له ربان فلا يدري أيهما يطيع.
حج سليمان بن عبد الملك فلما أشرف في انصرفه على قديد، نظر من عسكره فأعجبه ما رأى من كثرته، ومعه عمر بن عبد العزيز، فقال له: كيف ترى يا أبا حفص؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين دنيا تأكل بعضها، أنت المبتلي بها والمسؤول عنها.
وروى عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه، أو عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه قال: الدنيا دول، ليس إلى أحد دون الله إدالتها، فما كان منها لأحد أتاه على ضعفه، وما كان منها على أحد لم يدفعه بقوته.
قال أبو حازم: وجدت الدنيا شيئين: شيئاً لي وشيئاً لغيري، فما كان لي منها لم ينله غيري، ولو رامه بحيلة السموات والأرض، ففيم العناء والغم والتعب.
ذكرت الدنيا لأبي حازم فقال أبو حازم: الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئاً فليصبر على مهارشة الكلاب.
قال أبو حازم: تكدرت الدنيا وتعذرت، ما تمد يدك إلى شيءٍ منها إلا وجدت فاسقاً قد سبقك إليه.
كان سفيان الثوري يقول: الدنيا داء التواءٍ لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح برخائها، ولم يحزن لشقائها.
قال وهيب بن الورد: من أراد الدنيا فليتهيأ للذل.
سمع المسعودي رجلا يقول: أين الزاهدون في الدنيا، الراغبون فيما عند الله. قال: اقلب المعنى وضع يدك على من شئت.
كان سفيان الثوري يتمثل:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها ... على أنهم فيها عراةٌ وجوع
أراها وإن كانت تحب فإنها ... سحابة صيفٍ عن قليل تقشع
وقال أبو العتاهية:
يا ساكن الدنيا لقد أوطنتها ... وأمنتها عجباً وكيف أمنتها
وشغلت قلبك عن معادك بالمنى ... وشغلت نفسك بالهوى وفتنتها
وأشعار أبي العتاهية في ذم الدنيا كثيرة جداً، وقد جمعتها شعراً على حروف العجم مما قاله في المواعظ والحكم.
وقال آخر:
ما أعجب الدهر في تصرفه ... والدهر لا تنقضي عجائبه
كم رأينا للدهر من أسدٍ ... بالت على رأسه ثعالبه
قال محمد بن عبد الملك الزيات:
هي السبيل فمن يوم إلى يومٍ ... كأنه ما تريك العين في النوم
لا تعجلن رويداً إنها دول ... دنيا تنقل من قومٍ إلى قوم
إن المنايا وإن أصبحت في شغلٍ ... تحوم حولك حوماً أيما حوم
وقال آخر:
تقنع بالذي قاتك ... ولا تأس لما فاتك
ولا تغتر بالدنيا ... أما تذكر أمواتك
قال بعض الحكماء: استودقت الدنيا فأنعظ الناس.
لأيوب بن حول الشاربي:
فلم أر كالدنيا بها اغتر أهلها ... ولا كاليقين استوحش الدهر صاحبه
وقال محمود الوراق:
أيها الشيخ كم تروم وتبني ... ليس منك الدنيا ولا أنت منها
لا تروميها؛ فأنت وإن كن ... ت مقيماً بها كمن زال عنها
قيل لعامر بن عبد قيس: لقد رضيت من الدنيا باليسير. قال: أخبرك بمن رضى بدون ما رضيت. قيل: من؟ قال: من رضى بالدنيا حظاً عن الآخرة.
قال المأمون: لو سئلت الدنيا عن نفسها ما زادت في وصفها عن وصف أبي نواس حيث يقول:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق