أسيئي بنا أو أحسن لا ملومةً ... لدنيا ولا مقليةً إن تقلت
وقال أبو العتاهية:
أصبحت الدنيا لنا عبرةً ... والحمد الله على ذلكا
قد أجمع الناس على ذمها ... وما أرى منهم لها تاركا
وقال لسابق البربري:
جمعنا لها أكلاً وذماً بألسنٍ ... أليس عجيباً ذمها واحنلاتها
قال أبو الطيب:
تفاني الرجال على حبها ... ولا يحصلون على طائلٍ
وقال أيضاً:
ومن لم يعشق الدنيا قديماً ... ولكن لا سبيل إلى الوصال
وقال آخر:
يذمون دنياهم وهم يحلبونها ... ولم أر كالدنيا تذم وتحلب
وقال سعيد بن حميد:
ولم أر كالدنيا تذم صروفها ... ونوسعها شتماً ونحن عبيدها
وقال منصور الفقيه:
ضحكت دنياك يا إن ... سان من نهيك عنها
مع تمنيك على ربك ... ما لم تؤت منها
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، في خطبة له: أيها الناس! إنما الدنيا أجل محترم، وأمل منتقص، وبلاغ إلى دارٍ غيرها، وسير إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله من فكر في أمره، ونصح لنفسه، وراقب ربه، واستقال ذنبه. أيها الناس! قد علمتم أن أباكم أخرج من الجنة بذنبٍ واحد، وأن ربكم وعد على التوبة خيراً، فليكن أحدكم من ذنبه على وجل، ومن ربه على أمل.
قال بعض الحكماء. إنما الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر.
قال محمود الوراق:
ما أفضح الموت للدنيا وزينتها ... جداً، وما أفضح الدنيا لأهليها
لا ترجعن على الدنيا بلائمةٍ ... فعذرها لك بادٍ في مساويها
لم تبق في غيبها شيئاً لصاحبها ... إلا وقد بينته في معانيها
تفني البنين وتفني الأهل دائبةً ... ونستنيم إليها لا نعاديها
فما يزيدكم قتل الذي قتلت ... ولا العداوة إلا رغبةً فيها
قال أبو حفص عمر بن علي الفلاس: كتبت إلى صديق لي أشاوره في شيءٍ من أمر الدنيا، فكتب إلى رقعة فيها سطران، أحدهما: بسم الله الرحمن الرحيم، والآخر: اطلب الدنيا على قدر مكثك فيها، واطلب الآخرة على قد حاجتك إليها.
كان صالح المري يتمثل:
مؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
وبات يروي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
وقال آخر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبدٍ آثر الله ربه ... وجاد بدنياه لما يتوقع
وقال آخر:
لقد غرت الدنيا رجالاً فأصبحوا ... بمنزلةٍ ما بعدها متحول
فساخط أمرٍ لا يبدل غيره ... وراضٍ بأمرٍ غيره سيبدل
وبالغ أمرٍ كان يأمل غيره ... ومختلج من دون ما كان يأمل
وقال آخر:
ويح دنيا غرورها يضنيني ... كم إلى كم غررتني فدعيني
كم تسومينني خداعاً عن الرش ... دٍ وكم ذا الخداع ويك ذريني
أملي زائد وعمري يفني ... ويح نفسي عن رأيها المغبون
همتي تعتلي السماء وسعيي ... كسلاً سعي عاجزٍ مأفون
ويح نفسي أما كفاها من العي ... ش تقضى سنين بعد سنين
ليت شعري وما انتظاري وقد ... لاح شيب بعارضي وقروني
ويا ابن ستين ما اعتذارك من بع ... د بلوغ الأشد والستين
قيل لراهب: كيف سخت نفسك بالخروج عن الدنيا؟ قال: أيقنت أني خارجها منها كارهاً، فأحببت أن أخرج منها طائعاً.
قال بزرجمهر: من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحداً ما يستحق، إما زادته وإما نقصته.