قال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه وهو خليفة، كيف كانت طاعتي لك؟ قال: ما كان أطوعك! فقال: فقد وجببت طاعتي عليك، خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك، ومن قميصك حتى يبدو كعباك.

أوصى رجل بنيه فقال: يا بني! عليكم بالنسك، فإنه إذا ابتلى أحدكم بالبخل.. قيل: مقتصد لا يرى الإسراف، وإن ابتلى بالعي، قيل: يكره الكلام فيما لا يعينه، وإن ابتلى بالجبن، قيل: لا يقدم على شبهة.

قال محمد بن علي لابنه: أد النوائب ولا تتعرض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى ما مضرته عليك أكثر من منفعته.

قال معاوية بن أبي سفيان لسفيان بن عوف الأزدي: كل قليلا، تعمل طويلا، والزم العفاف تسلم من القول، واجتنب الرياء يشتد ظهرك عند الخصوم.

قال يوسف بن أسباط: أتيت سفيان الثوري رحمه الله، فقلت: يا أبا عبد الله! أوصني. قال: أقلل من معرفة الناس. قلت: زدني يرحمك الله، قال: أنكر من عرفت. قلت: زدني يرحمك الله. قال:

ابلُ الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد

وإذا ظفرت بذي الأمانة والتقى ... فبه اليدين قرير عينٍ فاشدد

قال عبد الملك بن مروان لمؤدب بنيه: إنه - والله - ما يخفى علي ما تعلمهم وتلقيه إليهم، فاحفظ عني ما أوصيك به: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وعلمهم الشعر يسمحوا ويمجدوا وينجدوا، وجنبهم شعر عروة بن الورد، فإنه يحمل على البخل، وأطعمهم اللحم يقووا ويشجعوا، وجز شعورهم تغلظ رقابهم، وجالس بهم أشراف الناس وأهل العلم منهم، فإنهم أحسن الناس أدباً وهدياً، ومرهم فليستا كوا، وليمصوا الماء مصاً، ولا يعبوه عباً، ووقرهم في العلانية، وأدبهم في السر، واضربهم على الكذب كما تضربهم على القرآن، فإن الكذب يدعو إلى الفجور، والفجور يدعو إلى النار، وجنبهم شتم أعراض الرجال، فإن الحر لا يجد من شتم عرضه عوضاً، وإذا ولوا أمراً فامنعهم من ضرب الأبشار؛ فإنه على صاحبه عار باق ووتر مطلوب، واحثثهم على صلة الرحم. واعلم أن الأدب أولى بالغلام من النسب.

كان يقال: صن عقلك بالحلم، ودينك بالعلم، ومروءتك بالعفاف، وجمالك بترك الخيلاء، ووجهك بالإجمال في الطلب.

أوصى معروف الكرخي رجلا فقال: توكل على الله حتى يكون أنسك وموضع شكواك، واجعل ذكر الموت جليسك، واعلم أن الفرج من كل بلاء كتمانه، فإن الناس لن يعطوك ولن يمنعوك، ولن ينفعوك، ولن يضروك إلا بما شاء الله لك، وقضاه عليك.

أوصى بعض الأكاسرة رجلاً وجهه أميراً، فكان فيما قال: واعلم أنه ليس من العدو أحد مكالبة ولا أصدق مخالبةً من مستنصرٍ في ملة، أو غيران على حرمة، أو ممتعضٍ من ذلة.

ومن قضاياهم: اخلع سربال الاتكال، وتنكب عثرات الاسترسال، وتدرع جلباب الاجتهاد، وتحرز من نكبات الانقياد.

ومما خرج من أشعار الحكماء مخرج الوصايا الموجزة، ما أنشدني أبو القاسم محمد بن نصير الكاتب - رحمه الله - لنفسه:

تخير سبيل الهدى جاهداً ... ودع عنك مشتبهات السبل

وأصبح من الناس مستوفزاً ... فأكثرهم راصد للزلل

وأجبن من قد ترى منهم ... لعمرك يردي الشجاع البطل

وتصمي المقاتل أقوالهم ... بألسنةٍ وقعها كالأسل

ولا تحسبن إن تكن عاقلاً ... مريدك بالضر حيناً عقل

ومن حكم الناس في عرضه ... فمن جار أكثر ممن عدل

وقال أبو العتاهية:

كن في أمورك ساكناً ... فالمرء يدرك في سكونه

وألن جناحك تعتقد ... في الناس محمدةً بلينه

واعمد إلى صدق الحدي ... ث فإنه أزكى فنونه

والصمت أجمل بالفتى ... من منطقٍ في غير حينه

لا خير في حشو الكلام ... إذا اهتديت إلى عيونه

رب امرئ متيقنٍ ... غلب الشقاء على يقينه

فأزاله عن رأيه ... فاتباع ديناه بدينه

وقال أبو العتاهية أيضاً:

خفف على إخوانك المؤنا ... أولا فلست إذاً لهم سكنا

لا تغترر بدنو ذي لطفٍ ... يوماً إليك وإن دنا ودنا

واعلم جزاك الله صالحةً ... أن ابن آدم لم يزل أذنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015