كان علي بن أبي طالب إذا أراد أن يستعمل رجلا دعاه فأوصاه، وقال: عليك بتقوى الله الذي لابد من لقائه، ولا منتهى لك دونه، فإنه يملك الدنيا والآخرة، وعليك فيما أمرك به بما يقربك من الله، فإن ما عنده خلف من الدنيا.

دخل عثمان بن عفاف على العباس بن عبد المطلب في مرضه الذي مات فيه، فقال: أوصني. قال: أوصيك بالصدق؛ فإنه يعرف في ثلاث: في حفظ اللسان، وترك المصانعة، واستواء السر والعلانية.

وروى عاصم بن بهدلة، عن أبي العدبس الأسدي، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: فرقوا بين المنية؛ واجعلوا الرأس رأسين، ولا تلبثوا بدار معجزة، وأصلحوا مثاويكم، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم، واخشوشنوا وتمعددوا وانتعلوا.

أوصى أعرابي انبه فقال: يا بني؟ اغتنم مسالمة من لا يدان لك بمحاربته، وليكن هربك من السلطان إلى الوحش في الفيافي وأطراف البلدان، حيث تأمن سعاية الساعي، وطمع الطامع منك، ولا تغرنك بشاشة امرئٍ حتى تعلم ما وراءها؛ فإن دفائن الناس في صدورهم، وخدعهم في وجوههم، ولتكن شكاتك الدهر، إلى رب الدهر، واعلم أن الله إذا أراد بك خيراً أو شراً أمضاه فيك على ما أحب العباد أو كرهوا، وأرح نفسك من التعب بقبول القيل والقال، فإن كلمة السوء حبة القلب، كما أن الحنطة حبة الأرض، إذا أصابها الماء نبتت، وكذلك الكلمة السوء إذا زرعت في صدرك نبتت منها الضغائن والبغضاء والعداوة.

قال أبو العتاهية:

رضيت ببعض الذل خوف جميعه ... وليس لمثلي بالملوك يدان

قال شبيب بن شيبة: قال لي أبو جعفر المنصور - وكنت من سماره - عظني وأوجز. قال: فقلت يا أمير المؤمنين! إن الله لم يجعل فوقك أحداً من خلقه؛ فلا ترض من نفسك بأن يكون عبد هو أشكر منك. قال: والله لقد أوجزت وما قصرت. قلت: والله لئن كنت قصرت فما بلغت كنه النعمة فيك.

قال سعد بن أبي وقاص لسلمان: أوصني. فقال له: اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند لسانك إذا تكلمت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدل إذا بطشت.

دخل محمد بن علي بن حسين على عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: أوصني. فقال: أوصيك أن تتخذ صغار المسلمين ولدا، وأوسطهم أخاً، وأكبرهم أباً، فارحم ولدك، وصل أخاك، وبر أباك.

أوصى رجل ابنه، فقال: أوصيك يا بني بتقوى الله عز وجل؛ فإنه جنب أولياء الله محارمه، وألزم قلوبهم طاعته، فكذب الأمل، ولاحظ الأجل.

لما التقى هرم بن حيان بأويس القرني، كان فيما أوصاه ووعظه به أن قال: يا هرم! توسد الموت إذا بت، واجعله أمامك إذا قمت، ولا تنظر إلى صغر ذنبك، ولكن انظر من عصيت، ومن عظم أمر الله فقد عظم الله. يا هرم! ادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فإنك لم تعالج شيئاً هو أشد عليك منهما، بينما قلبك مقبل إذ أدبر، فاغتنم إقباله قبل إداره.

قال وبرة: أوصاني عبد الله بن عباس بكلماتٍ لهي أحب إلى من الدهم الموقفة في سبيل الله. قال: إياك والكلام فيما لا يعنيك، فإنه إثم ولا آمن عليك فيه الوزر، وإياك والكلام فيما يعنيك في غير موضعه، فرب مسلم تقي تكلم بما يعنيه في غير موضعه فعنت. فلا تمار سفيهاً ولا فقيهاً. فأما السفيه فيوذيك، وأما الفقيه فيغلبك، واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن تذكر به، واعمل عمل رجلٍ يعلم أنه مكافأ بالإحسان، مجازيً بالإجرام.

أوصى صالح بن علي بن عبد الله بن عباس أمير سرية أتت، فقال: تاجر الله بعباده، فكن كالمضارب الكيس الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ برأس المال، لا تطلب الغنيمة حتى تحرز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك، أشد حذراً من احتيال عدوك عليك.

كان المهلب بن أبي صفرة يقول لبنيه: إياكم أن تروا في الأسواق: فإن كنتم لابد فاعلين، ففي سوق الدواب والسلاح، فإنها من صناعة الفرسان.

قال زياد بن ظبيان لابنه عبد الله وهو يجود بنفسه: ألا أوصى بك الأمير؟ قال: إذا لم تكن للحي إلا وصية الميت، فالحن هو الميت أخذه الشاعر فقال:

إذا ما الحي عاش بعظم ميتٍ ... فذاك العظم حي وهو ميت

قال نافع بن خليفة العبدي: جمعنا أبونا فقال: يا بني! اتقوا الله بتقاته، واتقوا السلطان بحقه، واتقوا الناس بالمعروف. فقام وقد جمع لنا أمر الدنيا والآخرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015