وما الذي تسأل عنه من خبر ... وقد كفاها الكشف عن ذاك النظر
وما تكون حالتي مع الكبر ... اربد مني الوجه وابيض الشعر
وصار رأسي شهرة من الشهر ... ويبست نضرة وجهي واقشعر
ونقص السمع بنقصان البصر ... وصرت لا أنهض إلا بعد شر
لو ضامني من ضامني لم أنتصر ... فانظر إلى واعتبر ثم اعتبر
فإن للحلوم في معتبر
قال معاوية بن أبي سفيان: من أخطأه سهم المنية قيده الهرم.
مر شيخ قد انحنى بفتى شاب، فقال له: أتبيع القوس يا شيخ؟ فقال له: إن كبرت أخذتها بلا ثمن.
لأعرابي في الصلع:
قد ترك الدهر صفاتي صفصفا
فصار رأسي جبهةً إلى القفا
كأنه قد كان ربعاً فعفا
أمسى وأضحى للمنايا هدفا
وقال تميم بن مقبل العجلاني:
كان الشباب لحاجاتٍ وكن له ... فقد فرغت إلى حاجاتي الأخر
يا حر أمست بشاشات الصبا ذهبت ... فلست منها على عينٍ ولا أثر
يا حر أمسى سواد الرأس خالطه ... شيب القذال اختلاط الصفو بالكدر
يا حر من يعتذر من أن يلم به ... ريب الزمات فإني غير معتذر
قد كنت أهدي ولا أهدي فعلمني ... حسن المقادة أني فاتني بصري
قالت سليمى لأختيها وقد صدقت ... لا خير في العيش بعد الشيب والكبر
قالت امرأة لرجل عهدته شابا ثم رأته شاخ: أين شبابك؟ قال: أودى به خصال من طال أمده، وكثر ولده، وضعف جلده، وذهب عدده.
قال منصور الفقيه:
يا من دعته الغواني ... عماً وقد كان شبا
قد كنت ورداً جنيناً ... فصرت ورداً مربا
مر أعرابي وهو شيخ كبير ببعض الغلمان، فقال له: من قيدك أيها الشيخ؟ قال: الذي هو دائب في فتل قيدك، وأنشده:
الدهر أبلاني وما أبليته ... والدهر غيرني وما يتغير
والدهر قيدني بقيد مبرمٍ ... فمشيت فيه وكل يوم يقصر
وقال آخر:
حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاتل أدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيداً أني بقيد
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: من طالت أيامه، كانت مصيبته في أحبابه، ومن قصرت أيامه كانت مصيبته في نفسه.
قال محمود الوراق:
ألا رب ذي أملٍ كاذب ... بعيد الرجاء قوي الطمع
تمني البقاء تمادي به ... أجاب القضاء فماذا صنع
تجرد أكثر جثمانه ... وفرق ما كان منه جمع
ودل المشيب على رأسه ... وأعقب من بعد شيبٍ صلع
وقوس متنيه بعد اعتدالٍ ... وأثبت في الرجل منه الظلع
فمن ذا يسر بطول البقاء ... إذا كان يبدع هذي البدع
سأل الحجاج رجلاً من بني ليث، قد بلغ سناً كبيرة، قال: كيف طعمك؟ قال: إذا أكلت ثقلت، وإذا تركت ضعفت. قال: فكيف نكاحك؟ قال: إذا بذل لي عجزت، وإذا منعت شرهت. قال: كيف نومك؟ قال أنام في المجمع، وأسهر في المضجع. قال: كيف قيامك وقعودك؟ قال: إذا أردت الأرض تباعدت مني، وإذا أردت القيام لزمتني. قال: فكيف مشيتك؟ قال: تعقلني الشعرة، وأعثر بالبعرة.
وذكر المبرد قال: نظر محمد بن عبد الله بن طاهر إلى حاجب له قد رفع حاجبه عن عينيه بعصابةٍ من الكبر، فقال له: كم أتى لك من السنين يا أبا المجد؟ فقال مجيباً له:
يا ابن الذي دان له المشرقا ... ن من بعد أن دان له المغربان
إن الثمانين وبلغتهاقد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وبدلتني بالشطاط انحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان
وقاربت مني خطاً لم تكن ... مقاربات وثنت لي العنان
وأنشأت بيني وبين الورى ... عيابة من غير نسج العيان
لم تبق لي عظماً ولا مفصلاً ... إلا لساني وكفاني اللسان
أدعو به الله وأثنى به ... على الأمير الطاهري الجنان
فقرباني بأبي أنتما ... من وطني قبل اصفرار البنان