وأفطن من ضب إذا خاف حارشاً ... أعد له عند الناس عقربا
وفي المثل: تعلمني بالضب وأنا حرشته.
لأبي البلاد الطهوي، وكان من شياطين العرب:
لهان على جهينة ما ألاقى ... من الروعات يوم رحى بطان
لقيت الغول تسري في ظلامٍ ... بسهبٍ كالعباية صحصحان
فقلت لها: كلانا نقض أرضٍ ... أخو سفرٍ فصدي عن مكاني
فصدت وانتحيت لها بعضبٍ ... حسامٍ غير مؤتشبٍ يماني
فقد سراتها والبرك منها ... فخرت لليدين وللجران
فقالت: زد، فقلت: رويد إني ... على أمثالها ثبت الجنان
شددت عقالها وحططت عنها ... لأنظر غدوةً ماذا دهاني
إذا عينان في وجهٍ قبيحٍ ... كوجه الهر، مشقوق اللسان
ورجلا مخدجٍ ولسان كلبٍ ... وجلدٍ من فراءٍ أو شنان
أما قوله: فقالت: زد. فإنهم يزعمون - فيما ذكر عمرو بن بحر الجاحظ -: إن الغول يستزيد بعد الضربة الأولى، لأنها تموت من ضربة وتعيش من ضربتين إلى ألف، يقول: إذا ضربت ضربة ماتت، إلا أن يعيد عليها الضارب قبل أن تقضي ضربة أخرى، فإنه إن فعل ذلك لم تمت، ولذلك قال شاعرهم:
فثنيت والمقدار يحرس أهله ... فليت يميني قبل ذلك شلت
وهذا عندي من أكاذيب الأعراب، وحماقات عمرو بن بحر ومجونه.
ومن ذلك قول مدرج الريح، وهو عامر المجنون، وإنما قيل له مدرج الريح بشعر قاله في امرأة من الجن، زعم أنه كان يهواها وتتراءى له، فمن شعره يقول:
لابنة الجني في الجو طلل ... دارس الآيات عافٍ كالخلل
درسته الريح من بين صبا ... وجنوبٍ درجت حيناً وطل
وكان مدرج الريح محمقاً، وأما قول عبيد بن أيوب العنبري:
فلله در الغول أي رفيقةٍ ... لصاحب قفرٍ خائفٍ يتقفر
أرنت بلحنٍ بعد لحنٍ وأوقدت ... حوالي نيراناً تبوخ وتزهر
فإن العرب تذكر أن الغيلان توقد النيران بالليل للعب والتخييل وإضلال أبناء السبيل.
قلت: والدليل على أن الشياطين تضل الناس في الطريق، وتحيدهم عن سبيلهم، قوله الله تعالى: " كالذي استهوتهُ الشياطينُ في الأرض حيرانَ " ومن الدليل على صحة الغيلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنشده كعب بن زهير قصيدته اللامية التي يقول فيها:
كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلاً ... وما مواعيده إلا الأباطيل
فما تدوم على حالٍ تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول
فلم ينكره.
قال أبو عمر: وكان عبيد بن أيوب هذا جوالا في مجهول الأرض، فلما اشتد خوفه وطال تردده، أمعن في الهرب، فقال:
لقد خفت حتى لو تمر حمامة ... لقلت عدو أو طليعة معشر
فإن قيل: أمن قلت: هذي خديعة ... وإن قيل: خوف قلت حق فشمر
وخفت خليلي ذا الصفاء ورابني ... وقيل فلان أو فلانة فاحذر
فلله در الغول أي رفيقةٍ ... لصاحب قفرٍ خائفٍ متنفر
في أبيات كثيرة، وأما قول أمية بن أبي الصلت:
والحية الذكر الرقشاء أخرجها ... من جحرها أمنات الله والقسم
إذا دعا باسمها الإنسان أو سمعت ... ذات الإله أتت في مشيها رزم
من خلفها حمة لولا الذي سمعت ... قد كان بيتها في جحرها الحمم
ناب حديد وكف غير وادعةٍ ... والخلق مختلف واللون والشيم
إذا دعين بأسماءٍ أجبن لها ... لنافثٍ يفتديه الله والكلم
لولا مخافة لابً كان عذبها ... عرجاء تظلع في أنيابها عسم
وقد بلته فذاقت بعض مصدقه ... فليس في سمعها من رهبةٍ صمم
فكيف يأمنها أم كيف تألفه ... وليس بينهما قربى ولا رحم
فإنه يقول: إنها خرجت لاستحلافه إياها، لا لرحمٍ بينها ولا نسب، وقد أوضحنا في كتاب " التمهيد " أن من الحيات صنفان من الجن، وأن منهم من أسلم، فغير نكير أن يخضع لذكر الله وأسمائه.