وقال عبد الله بن عباس: إني لأسمع بالحكم من حكام المسلمين يعدل فأفرح به، ولعلي لا أتحاكم أبداً، وإني لأسمع بالغيث يصيب البلدان فأفرح ومالي فيها سائمة، وإني لآتي على الآية فأود أن الناس يعملون بها، ويعلمون منها ما أعلم.
سأل رجل مطرف بن الشخير عن شيء، فقال: يا ابن أخي لا تحمل سعة الإسلام على ضيق صدرك.
كان يقال: لكل شيءٍ آفة، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الرياء، وآفة الحياء الضعف، وآفة اللب العجب، وآفة الظرف الصلف، وآفة الجود الشرف، وآفة الجمال التيه، وآفة السؤدد الكبر، وآفة الحلم الذل.
كان يقال: العجب ممن يخاف العقاب ولم يكفن ورجا الثواب ولم يعمل.
قال حارثة بن بدر الغداني:
طربت بقانونٍ وما كنت أطرب ... سفاها وقد جربت فيمن يجرب
وما اليوم إلا مثل أمس الذي مضى ... ومثل الغد الجائي وكل سيذهب
ومن وصايا إبليس، من النوادر أبيات أنس بن إياس يخاطب حارثة بن بدر الغداني هذا:
أحار بن بدرٍ قد وليت ولايةً ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق
ولا تحقرن يا حار شيئاً وجدته ... فحظك من ملك العراقين سرق
وباه تميماً بالغني إن للغنى ... لساناً به المرء الهيوبة ينطق
فإن جميع الناس إما مكذب ... يقول بما يهوى وإما مصدق
يقولون أقوالاً ولا يعرفونها ... فإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
فأجابه حارثة:
جزاك إله الناس خير جزائه ... فقد قلت معروفاً وأوصيت كافيا
أشرت بشيءٍ لو أشرت بغيره ... لألفيتني فيه لذلك عاصيا
امتحن يحيى بن أكثم رجلا أراده للقضاء، فقال: ما تقول في رجلين أنكح كل واحدٍ منهما الآخر أمه، فولد لكل واحد منهما ولد، فما قرابة ما بين الولدين؟ فلم يعرف. فسئل عن ذلك، فقال: كل واحدٍ منهما عم الآخر لأمه.
دخل رجل على عبد الملك بن مروان فقال له: إني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمها، ولا غناء بنا عن رفدك، فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة أولادكما إذا ولدتما، فعلت؟ فقال: يا أمير المؤمنين! هذا حميد بن بحدل، قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك، سله عنهما، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا به فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين! إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب، ولكن على الطعن بالرماح. أحدهما عم الآخر والآخر خاله.
لو تزوج رجل امرأة، وزوج ابنه ابنتها، ثم ولد لهما، كان أحد المولودين عم الآخر، والآخر ابن أخيه.
كان يقال: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم؛ الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها، وطالب الفضل من اللئام، والداخل بين اثنين في حديثهما من غير أن يدخلاه فيه، والمستخف بالسلطان، والجالس مجلساً ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لا يسمع منه ولا يصغي إليه.
ذكر الخشني عن أبي حاتم عن الأصمعي، قال: تذاكر نفر من الجن عيافة بني أسد، فقالوا: لو نظرنا إلى بعض ذلك فأتوهم، وقالوا: إنا ضلت لنا ناقة، فلو أرسلتم معنا بعض من يقفو لنا أثرها، فقالوا لغليم منهم: انطلق معهم، فاستردفه أحدهم ثم ساروا، فلقيهم عقاب كاسر إحدى جناحيها، فاقشعر الغلام فبكى، فقالوا: ما بالك؟ فقال: كسرت جناحاً ورفعت جناحاً، حلفت بالله صراحاً ما أنت بإنسي ولا تبغي لقاحاً.
قال الخشني: الجناح يؤنث ويذكر.
نذرت امرأة أن تكسو ثوباً غزلته فأتقنته أفضل رجل بالبصرة، فقيل لها: الحسن، فأتت به الحسن فأرسل بها إلى أبي قلابة، فردها أبو قلابة، وقال: إن الناس أصابوا فيك وأخطأت في.
قال أبو عبيد: العارضة كناية عن الندى، فإذا قيل: فلان شديد العارضة فذاك كناية عن سفه الكف بالعطاء. وإذا قيل: فلان يقتصد، فذلك كناية عن البخل. وإذا قيل العامل مستقص، فذلك كناية عن الجور. وأما قولهم في المثل: هذا أجل من الحرش، فإن الأصمعي ذكر في تفسيره ذلك، أن الضب قال لابنه: إذا سمعت صوت الحرش فلا تخرجن، قال: وذلك أنهم يزعمون: أن الحرش تحريك اليد عند حجر الضب ليخرج إذا ظن أنها حية. قال: وسمع ابنه يوماً صوت الحفر، فقال: يا أبت! هذا الحرش؟ فقال: يا بني! هذا أجل من الحرش، فأرسلهما مثلا وأنشد: