وليس في هذا معارضة لقول الله: " ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعضٍ " لأن معنى هذا عند العلماء أن يتمنى الرجل مال أخيه وامرأة أخيه، ليصرفه الله عنه إليه فذلك التمني المكروه.
قال محمد بن سيرين: نهيتم عن الأمانيّ، ودللتم على ما هو خير منها لكم، سلوا الله من فضله.
وقد ذكرنا في كتاب " التمهيد " معنى قوله عليه والسلام: " لا يتمنينّ أحدكم الموت لضرٍّ نزل به "، عند قوله عليه السلام: " لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر أخيه فيقول: يا ليتني مكانه ". قال المنصور لإسحاق بن مسلم العقيلي: ما بقي من لذاتك؟ قال جليس يقصر به طول ليلي، وزائر أشتهي من أجله طول السهر.
وقال غيره: زائر أشتهي به طول السهر ودابة أشتهي من أجلها طول السفر.
قال مسلمة بن عبد الملك: العيش في ثلاثٍ: سعة المنزل، وموافقة المرأة، وكثرة الخدم.
قال عباية الجعفيّ: ما يسرُّني بنصيبي من التمني حمر النَّعم.
قال عبد الرحمن بن أم الحكم: لذة العيش في زحف الأحرار إلى طعامك، وبذل الأشراف وجوههم إليك فيما تجد السبيل إليه، وقول المنادي: الصلاة أيها الأمير.
قال قتيبة بن مسلم لوكيع بن أبي سود: ما السرور؟ قال: لواءٌ منشور، وجلوسٌ على السّرير، والسّلام عليك أيّها الأمير.
قيل لأمّ البنين: ما أحسن شيءٍ رأيت؟ قالت: نعم الله مقبلةً عليّ.
سأل قتيبة رجلاً: ما السّرور؟ قال: الولد الصالح والمال الواسع.
قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: لذّة العيش ظفرك بمن تحبّ بعد امتناع، ولذة لا توجب عليك إثماً، وحقٌ وافق هوىً.
قيل لأبي حازم: ما اللّذة؟ قال: الموافقة، ولا أنيس كالصاحب المواتي.
وروى الرِّياشي عن الأصمعي قال: قال شبيب بن شيبة: عيش الدنيا في ثلاث: محادثة الإخوان، ومباشرة النسوان، وشم الصبيان.
قال بعض الحكماء: كثرة الالتفات سخف، ومجالسة الحمقى تورث النّوك، وكثرة المنى تخلق العقل، وتفسد الدين، وتنفي القناعة.
قال أبو العتاهية:؟ لله أصدق والآمال كاذبةٌ وجلّ هذي المنى في القلب وسواس ذكر عمرو بن بحر عن الأصمعي قال: قال بعضهم: الاحتلام أطيب من الغشيان، وتمنِّيك الشيء أوفر حظاً للّذة من قدرتك عليه.
قال عمرو بن بحر: كأنه ذهب إلى أن المال إذا ملك وجبت فيه حقوق، وخاف مالكه عليه الزوال، واحتاج إلى الحفظ، وكل من عظمت عليه نعمة الله عظمت مؤونة الناس عليه.
ذكر المدائني قال: قيل لامرئ القيس: ما أطيب عيش الدّنيا؟ فقال:بيضاء رعبوبة، بالطّيب مشبوبة، باللحم مكروبة.
وسئل الأعشى: أيّ العيش ألّذ؟ فقال: صهباء صافية، تمزجها ساقية، من صوب غادية.
وسئل طرفة، فقال: مطعمٌ شهيّ، وملبس زهيّ ومركب وطيّ.
وقال غيره:
أطيب الطَّيِّبات قتل الأعادي ... واختيالٌ على متون الجياد
وأيادٍ حبوتهنَّ كريماً ... إنّ عند الكريم تزكوا الأيادي
لبعض الحكماء: أسوأ الناس حالاً من اتسعت أمنيَّته وضاقت مقدرته، وبعدت همّته.
قيل لعبد الرحمن بن أبي بكرة: أيّ الأمور أمتع؟ فقال: ممازحة حبيب، ومحادثة خدين، وأمانٍ تقطع بها أيامك. وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، أنه قيل له: أيُّ شيءٍ أكثر إمتاعاً؟ قال: المنى.
قال بعض الأعراب، ويروي لأبي بكر العرزمي:؟ منى إن تكن حقاً تكن أحسن المنى وإلاَّ فقد عشنا بها زمناً رغدا
أمانيّ من سلمى عذابٌ كأنَّما ... سقتك بها سلمى على ظمإٍ بردا
اجتمع عبد الله وعروة ومصعب بنو الزبير بن العوام، عند الكعبة، فقال عبد الله: أحب ألا أموت حتى تجيء إليّ الأموال وأكون خليفة.
وقال مصعب: أحب أن أليَ العراقين - يعني الكوفة والبصرة - وأزوّج سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة.
وقال عروة: لكني أسأل الله الجنة. فصار عبد الله ومصعب إلى ما تمنيا، ويرون أن عروة صار إلى الجنة.
كان المتمني بالكوفة إذا تمنى يقول: أتمنى أن يكون لي فقه أبي حنيفة، وحفظ سفيان، وورع مسعر بن كدام، وجواب شريك.
قال الأصمعيّ: قال لي بن أبي الزناد:المنى والحلم أخوان.
قال مالك بن أسماء:؟؟ ولمَّا نزلنا منزلاً طلَّه النّدى أنيقاً وبستاناً من النَّور حاليا
أجدَّ لنا طيب المكان وحسنه ... منىً فتمنَّينا فكنت الأمانيا
قال سلم الخاسر: