قد يدركُ الشرفُ الفَتَى وردَاؤُهُ ... خَلَقٌ وجَيبُ قميصِهِ مرقوعُ
كان القاسم بن محمد يلبس الخز، وسالم بن عبد الله يلبس الصوف، وكانا يتجالسان في المجلس ويتحدثان الدهر، لا ينكر واحد منهما لباس صاحبه.
نظر ابن المبارك ببغداد إلى رجل عليه ثياب صوف لا تخالطها غيرها، فقال من هذا؟ فقيل له: هذا أبو العتاهية الشاعر، فكتب إليه ابن المبارك:
أيُّها القارئ الذي لبس الصُّو ... ف وأضحى يُعَدُّ في العُبّادِ
الْزَمِ الثَّغْرَ والتعبُّدَ فيهِ ... ليس بغدادُ موضعَ الزُّهَّادِ
إن بغدادَ للملوكِ محلٌّ ... ومناخ للقارئ الصَّيَّادِ
وقال محمود الوراق:
تصَوَّف فازْدَهَي بالصُّوف جَهْلاً ... وبعضُ النّاسِ يَلْبَسهُ مَجاَنَه
يُريكَ مَهَانَةً ويُجِنّ كِبْراً ... وليس الكبر من شكل المَهَانَه
تصنّع كيْ يُقال له أمين ... وما معنَى التَّصَنُّع للأَمَانْه
ولم يردِ الإلَه به ولكنْ ... أرادَ به الطريقَ إلى الخيَانَهْ
وقال آخر:
وثياب المرء جِلْوا ... زٌ له بَيْنَ يديَهْ
وقال آخر:
لا يعجبنّك من بَصُون ثيابَهُ ... حَذَرَ الْغُبَارِ وَعِرْضُهُ مَبْذولُ
ولربّما افتقرَ الفتى فرأيَتهُ ... دنسَ الثيابِ وعِرْضُهُ مَغسُولُ
أنشدني إبراهيم بن محمد، قال: أنشدني أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي لنفسه في أبي مسلم ابن فهد الهذلي الإشبيلي، وذكر حكاية عرضت له معه:
أبا مُسْلم إنّ الفَتَى بجَنَانِهِ ... ومِقْوَلِهِ لا بالمراكبِ واللُّبْسِ
وليسَ ثيَابُ المرءِ تُغْنِى قُلاَمةً ... إذا كان مقصوراً على قِصَرِ النَّفْسِ
وليس يُفيدُ العلمَ والحلمَ والُّتقى ... أبا مُسْلمٍ طولُ القُعود على الكُرْسِي
ولا تُبْتني العليا بكأسٍ وقينةٍ ... وصهباءَ لم تَنْغَرْ بها القِدْرُ كالوَرْسِ
أعيَّرْتَني أن لم أفرِّه مَطِيَّتي ... وأنّ ثيابِي غيرُ بيضٍ ولا مُلْسِ
فربَّ ثيابٍ رثّة حشوُها فتىً ... أجدُّ مُمِرٌّ غيرُ فَسْلٍ ولا نِكْسِ
وآخرُ بَرَّاقُ الثيابِ وعِرْضُهُ ... من العَارِ والتَّدْنِيسِ رجِسٌ عَلَى رِجْسِ
فإمَّا تَهوُلَنْكَ البغالُ فإنّها ... منوّعةٌ عند اليّهُوديِّ والقَسِّ
قال رجل للحسن بن أبي الحسن: يا أبا سعيد! إنا قد وسع الله علينا أفنناك من كسوة وعطر ما لو شئنا اكتفينا بدونه، فما نقول؟ قال: أيها الرجل! إن الله قد أدب أهل الإيمان فأحسن أدبهم، قال تعالى: " ليُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ من سَعَتِهِ، ومَنْ قُدِرَ عليه رِزْقُهُ فلينفِقْ مما آتاهُ اللهُ "، وإن الله ما عذب قوماً أعطاهم الدنيا فشكروه، وما عذر قوماً زوى عنهم الدنيا فعصوه.
روى عن لقمان الحكيم، أنه قال: التقنع بالليل ريبة، وبالنهار مذلة. وقد روى هذا عن نبيّنا صلى الله عليه وسلم.
قال رجل لإبراهيم النخعي: ما ألبس من الثياب؟ فقال: مالا يشهرك عند العلماء، ولا يحقرك عند السفهاء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة، الأجرُ والمغتم ".
وقد ذكرنا في الآثار الثابتة في الخيل وفضلها، وفضل رباطها، والأجر في اكتساب ذلك، في كتاب - التمهيد - ما فيه شفاء، وإشراف على المعنى والحمد لله.
كان يقال: لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها، ولا تجزوا أعرافها فإنها أدفاؤها، ولا تجزوا أذنابها فإنها مذابُّها. وقد روى هذا الكلام مرفوعاً.
قال عمر بن الخطاب: عليكم بإناث الخيل، فإن بطونها كنز، وظهورها حرز. وقد روى هذا مرفوعاً أيضاً.
قال علي بن أبي طالب: الخيل المطلب والمهرب.
قال ابن عباس رضى الله عنه:
أحبُّوا الخيل واصْطبروا عَلَيْها ... فإنّ العزَّ فيها والَجمَالا
إذا ما الخيلُ ضَيّعها رجالٌ ... رَبَطْنَاها فشاركتِ العِيَالا