فقال: أتعزم على الرحيل والرجوع إلى وطنك؟ قلت: نعم. قال: صحبتك السلامة، ورزقت العافية. وخرجت من عنده فما وصلت إلى موضعي، حتى سبقني خمسة عشر بغلا عليها عصب اليمن، ودراهم، وضروب من الخير، فقضيت ديني وتأثّلت منه كنزاً مما بيدي اليوم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حبّك الشئ يعمي ويصمّ ".
قال وهب بن ممبهّ: العقل والهوى يصطرعان، فإيّهما غلب مالٌ بصاحبه.
قال ابن دريد:
وآفة العقل الهوى فمن علا ... على هواه عقله فقد نجا
قال عمر بن عبد العزيز: أفضل الجهاد جهاد الهوى.
قال بعض الحكماء: من نظر بعين الهوى خاف، ومن حكم بالهوى جار قال سفيان الثوري: أشجع الناس أشدهم من الهوى أمتناعاً.
وقال: من المحقّرات تنتج الموبقات.
ويقولون: إن هشام بن عبد الملك لم يقل بيت شعرٍ قطّ إلاّ هذا:
إذا أنت لم تعصي الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال
" قلت: لو قال: إلى كلّ ما فيه عليك مقال " كان أبلغ وأحسن.
قال بعض الحكماء: إنما يحتاج اللبيب ذو الرأى والتّجربة إلى المشاورة ليتجرّد له رأيه من هواه.
قال بعضهم: اعص النساء وهواك، واصنع ما شئت.
قلت: لو قال اعص الهوى لا كتفي.
قيل للمهلّب: بم ظفرت؟ قال: بطاعة الحزم وعصيان الهوى.
قالوا: ما ذكر الله تعالى الهوى في شيئ من القرآن إلاذمه.
قيل لشريح: أحمد الله لما سلمك من الفتن. قال: كيف أصنع بقلبي وهواي؟ قال: الهوى غالب، والقلوب مغلوبة.
قال امتدح بترك الهوى من الحكماء، قال الزبير بن عبد المطلب:
وأجتنب البوائق حيث كانت ... وأترك ما هويت لما خشيت
أخبرنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا نصر بن محمّد الأسديّ الكوفيّ، حدثنا إبراهيم بن عثمان المصّيصي، حدثنا مخلّد بن حسين، حدثنا هشاّم ابن حسان، عن محمد بن سيرين قال: بيتا عمر بن الخطاب يجوس ذاتة ليلة إذ سمع امرأة وهي تقول:
هل من سبيلٍ إلى خمرٍ فأشربها ... أم من سبيل إلى نصر بن حجاج
فلما أصبح قال: عليّ بنصر. فجيء به، فإذا هو أجمل الناس، فقال: إنها المدينة فلا تساكنيِّ فيها. فخرج إلى البصرة فنزل على ابن عمٍّ له، هو أمير البصرة، فبينما هو جالس مع ابن عمه وامرأته، إذ كتب في الأرض: إني لأحبك حبّاً لو كان فوقك لأظلك، ولو كان تحتك لأقلك. فقرأته وكتبت تحته: وأنا. وكان الأمير لا يقرأ، فعلم أنه جواب كلام، فأكفأ عليه إناءً وقام وبعث إلى من يقرأه، فبلغ ذلك نصراً، فلم يجئ إليه، ومرض حتى سلّ وصار شبه الفرخ، فأخبر الأمير بذلك، فقال: اذهبي إليه، فأبت، فقال: عزمت عليك إلاّ ذهبت إليه وأسندته إلى صدرك وأطعمته.
قال: فلما أتت الباب قيل له: هذه فلانة. فكأنه انتعش شيئاً، فصعدت إليه وأسندته إلى صدرها وأطعمته، فأفاق، فخرج من البصرة واستحيا من ابن عمه فلم يلقه بعدها.
قال إبراهيم بن عثمان: الأمير مجاشع بن مسعود السلمى، وامرأته الخضراء.
قال إبراهيم بن عثمان: وأخبرني محمد بن كثير، أن نصر بن حجاج كتب إلى عمر رضي الله عنه:
لعمري لئن سيرتني وحرمتني ... وما جئت ذنباً إن ذا لحرام
ومالي ذنبٌ غير ظنّ ظننته ... وفي بعض تصديق الظنون أثام
أأن غنّت الذلفاء يوماً بمنيةٍ ... وبعض أماني النساء غرام
ظننت بي الأمر الذي لو أتيته ... لمل كان لي في الصالحين مقام
ويمنعني مما تمنت حفيظتي ... وآباء صدقٍ صالحون كرام
ويمنعها مما تمنت صلاتها ... وبيتٌ لها في قومها وصيام
فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جبَّ منّي غاربٌ وسنام
قال بعض الحكماء: الهوى عدو العقل، فإذا عرض لك أمران ولم يحضرك من تشاوره فاجتنب أقربهما إلى هواك.
ومما ينسب إلى الشافعي، وأظنه لسهل الوراق:
إذا حار ذهنك في معنيين ... وأعياك حيث الهوى والصواب
فدع ما هويت فإن الهوى ... يقود النفوس إلى ما يعاب