أيها القاضي! إن كان هؤلاء استحلوا قذفى وقذف أمي بجهلهم، فما الذي استحللت به أنت ذلك منى؟ فقال: والله يا ابن أخي ما حسبت إلا أنه اسمك واسم أمك، لأنك لم تنكر ذلك على خصمك ولا على شاهديه.
مر قاض بواسط أو بحمص على السوق في يوم رمضان، فرأى رجلا قد صنع معزفاً، فوقف عليه وقال: أيها الفاسق في الشهر المبارك تعمل آلات اللهو وظروف الشرّ فقال: أصلح الله القاضي، إنما هي مقلاة قال: لعن الله الشيطان ما حسبتها إلا معزفا،فنهض شيئاً ثم عاد إليه، فقال له:يا فاسق؟؟؟؟؟؟؟؟ وكيف تكون مقلاة من خشب؟ هذا محال. فقال له:يا قاضي إني أطليها بالقار، فلا تؤثر فيها النار. قال:صدقت، ثم انصرف عنه.
وُلّى رجلٌ مقلّ قضاء الأهواز، فأبطأ عليه رزقه، وحضر عيد الأضحى وليس عنده ما يضحى به ولا ما ينفق، فشكا ذلك إلى زوجته، فقالت له: لا تغتم، فإن عندي ديكاً جليلا قد سمنته، فإذا كان عيد الأضحى ذبحناه. فلما كان يوم الأضحى، وأرادوا الديك للذبح، طار على سقوف الجيران، فطلبوه وفشا الخبر في الجيران، وكانوا مياسير، فرقوا للقاضي، ورثوا لقلة ذات يده،فأهدى إليه كلّ واحد منهم كبشاً، فاجتمعت في داره أكبش كثيرة، وهو في المصلى لا يعلم، فلما صار إلى منزله، ورأى ما فيه من الأضاحي قال لامرأته:من أين هذا؟ قالت أهدى إلينا فلان وفلان - حتى سمَّت جماعتهم - ما ترى. قال: ويحك احتفظي بديكنا هذا فما فدى إسح اق بن إبراهيم إلا بكبش واحد،وقد فدى ديكنا بهذا العدد.
قال الأصمعىّ: وصلت بالعلم، وكسبت بالملح.
قال عبد الرحمن بن أبي الزّناد: قلت لأشعب: أنت شيخ كبير، فهل رويت شيئاً من الحديث؟ قال: بلى! حدثني عكرمة عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: خصلتان من حافظ عليهما دخل الجنة. قلت: وما هما؟ قال: نسيت أنا واحدة، ونسى عكرمه الأخرى.
كان أشعب الطّمع كثير الإلمام بسالم بن عبد الله بن عمر، فأتاه يوماً وهو في حائط مع أهله، فمنعه البواب من الدخول عليه من أجل عياله، وقال: إنّهم يأكلون. فمال عن الباب، وتسوّر عليهم الحائط، فلمّا رآه سالم، قال: سبحان الله يا أشعب! على عيالى وبناتي تتسوّر. فقال له " لقد علمت مالنا في بناتك من حقّ، وإنك لتعلم ما نريد ". فقال له: انزل يأتك من الطّعام ما تريد.
أخذ قومٌ في قطع، فقدّموا لضرب أعناقهم، فقام منهم واحدٌ، وقال: الله الله فيّ، فو الله ما كنت في شئٍ مما كانوا فيه، وإنما كنت أشرب معهم وأغنّى لهم، فقالوا: هات فغنّ لنا، فارتجت عليه الأشعار إلاّ قول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكلّ قرينٍ بالمقارن مقتدى
فقالوا: صدق. اضربوا عنقه.
كان بعض أمراء خراسان يتشاءم بالحول، فمتى رأى أحول ضربه بالسّياط، وربما ضرب بعضهم خمسائة سوط، وحدث أنه ركب في بعض الأيام، فرأى أحول فأمر بضربه، وكان الأحول جلداً، فلما فرغ من ضربه، قال له: أيها الأمير! أصلحك الله، لم ضربتني؟ قال: لأني أتشاءم بالحول. قال: فأينا أشدّ شؤماً على صاحبه، أنت رأيتني ولم يصبك إلاّ خير، وأنا رأيتك فضربتني خمسائة سوط، فأنت إذا أشد شؤماً. فاستحيا منه ولم يضرب بعده أحداً.
كانت في سعيد بن فروخ بن القطان، والد يحيى سعيد الفقيه، غفلة شديدة مشهورة، فخرج يوم الجمعة وقد تهيأ للصلاة، فلقى رجلا من أهل البصرة كثير المزاح، فقال له: قد أخروا الجمعة إلى غد، فقال: حسن. ورجع إلى منزله.
كان إسماعيل بن يسار الشاعر قد خفّ على عروة بن الزبير حتى زامله مرّةً بعض أسفاره، فقال ليلةً في سفره ذلك لغلامه: انظر هل اعتدل المحمل؟ فقال الغلام: ما هو إلاّ معتدل، فقال إسماعيل: والله ما اعتدل الحقّ والباطل قبل هذه الليلة، فمحك عروة.
قال الأصمعىّ: قدم تاجرٌ من أهل الكوفوفة المدينة بأحمزة فباعها كلها إلاّ السّود منها، فلم تنفق، وكان صديقاً للدرامىّ الشاعر، فشكا ذلك إليه، وقد كان الدرامىّ تنسّك، وترك الشعر والغناء. فقال له: لا تهتمّ بذلك فإنّي سأنفقها لك حتى تبيع جميعها إن شاء الله تعالى، ثم قال: