على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلّين السّماحة والبذل
وقول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وقول القاسم بن أمية بن أبى الصلت الثقفى:
قومٌ إذا نزل الغريب بدارهم ... ردّوه ربّ صواهل وقيان
وإذا دعوتهم ليوم كريهةٍ ... سدّوا شعاع الشّمس بالفرسان
لا ينقرون الأرض عند سوالهم ... لنطلب العلاّت بالعيدان
بل يبسطون وجوههم فترى لهم ... عند اللّقاء كأحسن الألوان
والجيّد من النظم لا يحصى كثرة،وحسبنا أن نأتي منه بما يقرب حفظه للمذاكرة، ويقوم ببهاء مورده في المجالسة.
قال عمر وبن أمية الضّمرىّ للنجاشى،حين وجهّه إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:أيها الملك! كأنك في الرّأفة علينا منّا،لم نرجك قطّ لأمر إلا نلناه،ولم نخفك قطّ على أمر إلا أمنّاه.
ووقف حيّان بن مالك بن جعفر على قبر عامر بن الطّفيل،فقال:كان والله لا يضل حتى يضل النّجم،ولا يعطش حتى يعطش البعير،ولا يهاب حتى يهاب السيل.
مدح أعرابىٌّ رجلا فقال:كان يغنى في طلب المكارم غير ضال في مصالح طريقها ولا متشاغل عنها بغيرها.
وذكر أعرابي جلد أخيه،فقال:ما بعثته في سوادٍ إلاّ جلاّه ومحاه،ولا في بياض إلا أزكاه وأضاءه.
وصف أبو مهديةّ الأعرابي قوماً،فقال:أدبتهم الحكمة،وأحكمتهم التجربة،ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة،ورحل عنهم التسويف الذى قطع الناس به مسافة آجالهم،فذلت ألسنتهم بالوعد،وأنبسطت أيديهم بالإنجاز،فأحسنوا المقال وشفعوه بالفعال.
ومدح أعرابي رجلا فقال:كالمسك إن تركته عبق،وإن خبّأته عبق.
قال محمد بن زياد الحارثي:
تخالهم للحلم صماً عن الخنا ... وخرساً عن الفحشاء عند التّفاخر
ومرضى إذا لاقوا حياءً وعفّةً ... وعند الحفاظ كاللّيوث الكواسر
لهم ذلّ إنصافٍ ولين تواضعٍ ... بهم ولهم ذلّت رقاب العشائر
كأنّ بهم وصماً يخافون عاره ... وما وصمهم إلا اتقّاء المعاير
وقال آخر:
لو قيل لا بن محمّد: ياذا النّدى ... قل لا، وأنت مخلدٌ ما قالها
إنّ المكارم لم تزل معقولة ... حتّى حللت براحتيك عقالها
مدح أعرابي رجلاً، فقال: كان إذا خرست الألسن عن الرأي حذق بالصواب كما يحذق الأريب.
أثنى عمرو بن زياد العتكىّ على الحجاج بن يوسف عند عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين! هو سيفك الذي لاينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم. وكان الحجاج يقصيه فلما قال ذلك أدناه.
قال ابن شهاب: قال لي سعيد بن المسيب: ما مات من ترك مثلك.
ومن أحسن ما قيل في المدح نظماً، وإن كان الحسن منه كثيراًَ جداً، ما ذكره أو لي البندادي رواية عن شيخوخه: أن علىّ بن الحسين بن على بن أبي طالب رآه هشام بن عبد الملك وهو خليفة في حجة حجها، وعلى يطوف بالبيت والناس يفرجون له عند الحجر تعظيما له، وينظرون إليه مبجلين له، فغاظ ذلك هشاماً، فقال: من هذا؟ كأنه لم يعرفه، فقال الفرزدق منكراً لقول هشام، ومادحاً لعلى بن حسين:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... بالبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التّقّى النّقّي الطّاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتمي الكرم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضى حياءً ويغضى من مهابته ... فلا يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحها عبقٌ ... من كف أروع في عرنينه شمم
مشتقّةٌ من رسول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم
ينجاب ثوب الدجى عن نور غرّته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها الظّلم