قيل لعنترة: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: كنا ألفاً مثل الذهب الخالص، ليس فينا غيرنا، لم نكثر فنفشل، ولم نقل فنذل. لم يكن قبيل في العرب ألف فارس إلا ثلاث قبائل: مرّة وعبس وبنو الحارث بن كعب.
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه، لعمرو بن معدى كرب: أخبرنى عن السّلاح. قال: سل عما شئت. قال: الرّمح، قال: أخوك وربما خانك. قال النّبل؟ قال: منايا تخطئ وتصيب. قال: التّرس، قال: ذلك المجنّ وعليه تدور الدوائر. قال: الدّرع، قال: مشغلة للرّاجل متعبةٌ للفارس، وإنها لحصنٌ حصين. قال: السيف؟ قال: قارعتك أمّك على الثّكل. قال عمر: بل أمّك. قال: أخبرني عن الحرب، قال: مرّة المذاق، إذا قلصت عن ساق، من صبر لها عرف، ومن ضعف عنها تلف، وهى كما قال الشاعر:
الحرب أولّ ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكلّ جهول
حتّى إذا اشتعلت وشبّ ضرامها ... عادت عجوزاً غير ذات خليل
شمطاء جزّت رأسها وتنكرت ... مكروهةً للشّمّ والتقبيل
قال حذيفة بن اليمان: الفتنة تلقح بالنجوى، وتنتج بالشكوى. أخذ نصر بن سيار قول حذيفة هذا، والله أعلم، حين قال: إن الحرب أوّلها الكلام وهى أبيات كتبها إلى مروان بن محمد:
أرى خلل الرّماد وميض نار ... ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النّار بالعودين تذكى ... وإنّ الحرب أوّلها الكلام
فقلت من التّعجب ليت شعري ... أأيقاظٌ أميّة أم نيام
بلغ أبا الأغر أن أصحابه، وقع بينهم شر، فوجه ابنه الأغر، وقال له: يا بنى كن يداً لأصحابك على من قاتلهم، وإياك والسيف، فإنه ظل الموت، واتق الرمح، فإنه رسالة المنية، ولا تقرب السهام، فإنها رسل لا تؤامر من يرسلها، قال: فبم أقاتل؟ قال: بما قال الشاعر:
جلاميد أملاء الأكفّ كأنّها ... رءوس رجالٍ حلّقت بالمواسم
وهذا الشعر هو:
تغطّى نميرٌ بالعمائم لؤمها ... وكيف يغطّ اللؤم طىّ العمائم
فإن تضربونا بالسّياط فإنّنا ... ضربناكم بالمرهفات الصّوارم
وإن تحلقوا منّا الرّءوس فإننا ... حلقنا رءوساً باللّحى والغلاصم
وإن تمنوا منّا السّلاح فعندنا ... سلاحٌ لنا لا يشترى بالدّراهم
جلاميد أملاء الأكفّ كأنّها ... رءوس رجالٍ حلقت بالمواسم
ومن أحسن ما قيل في الصبر على الحرب قول نهشل بن حرّى بن ضمرة:
ويومٍ كأنّ المصطلين بحرّه ... وإن لم يكن نارٌ قيامٌ على الجمر
صبرنا له حتّى تقضّى وإنّما ... تفرّج أيام الكريهة بالصّبر
ومثله قول الآخر:
بكى صاحبي لما رأى الموت موقناً ... مطّلاً كإطلال السّحاب إذا اكفهرّ
فقلت له: لاتبك عينك إنّما ... يكون غداً حسن الثناء لمن صبر
فما أخّر الإحجام يوماً مقدّماً ... ولا عجّل الإقدام ما أخّر القدر
ومن أحسن ما قيل في النظم في الصبر على الحرب، قول قطرى بن الفجاءة التميمى الخارجي:
أقول لها وقد طارت شعاعاً ... من الأبطال ويحك لن تراعى
فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً ... فما نيل الخلود بمستطاع
ولا ثوب البقاء بثوب عزّ ... فيطوي عن أخي الخنع اليراع
سبيل الموت غاية كلّ حيّ ... وداعيه لأهل الأرض داعي
ومن لم يعتبط يهرم ويسقم ... وتسلمه المنون إلى انقطاع
وقال أصرم بن حميد:
حرامٌ على أرماحنا طعن مدبرٍ ... ويندقّ قدماً في الصّدور صدورها
مسلّمةٌ أعجاز خيلي في الوغى ... وداميةٌ لبّاتها ونحورها
وقول الآخر:
وقد يلتقى الجمعان والموت فيهما ... فيقتل من ولى ويسلم من ثبت
وقد ذكرت في " باب الاعتذار " ... احسن ما قيل في النظم،في الاعتذار
ومن أحسن ما قيل في الإنصاف في صفة الحرب،واللقّاء والصّدق في ذلك،قول عبد الشّارق