وقال مسكين الدرامى:
وإني امرؤٌ منّى الحياء الذي ترى ... أعيش بأخلاق قليلٌ خداعها
أواخى رجالاً لست مطلع بعضهم ... على سرّ بعض غير أنّى جماعها
يظلّون شتّى في البلاد وسرّهم ... إلى صخرةٍ أعيا الرّجال انصداعها
وقال آخر:
ولو قدرت على نسيان ما اشتملت ... منّى الضّلوع من الأسرار والخبر
لكنت أول من ينسى سرائره ... إذا كنت من نشرها يوماً على خطر
قال أبو الشِّيص:
ضع السِّرَّ في صمَّاء ليست بصخرةٍ ... صلودٍ كما عاينت من سائر الصَّخر
ولكنَّها قلب امرئٍ حفيظةٍ ... يرى ضيعة الأسرار شراً من الشَّرِّ
يموت وما ماتت كرائم فعله ... فيبلى وما يبلى ثناه على الدَّهر
كان يقال: لا تطلعوا النّساء على سركم، يصلح لكم أمركم قال الشاعر:
ختمت الفؤاد على حبهَّا ... كختم الصحيفة بالخاتم
هوت بي في حبَّها نظرةٌ ... هوىَّ الفراشة في الجاحم
وقال آخر:
فإن تلك ليلى حمَّلتني أمانةً ... فلا وأبي ليلى إذاً لا أخونها
حفظت لها السَّرَّ الّذي الذي كان بيننا ... ولا يحفظ الأسرار إلا أمنها
كان يقال: كل شئ تكتمه عن عدوك، فلا تظهر عليه صديقك وقال آخر:
إذا كتم الصديق أخاه سرّاً ... فما فضل الصَّديق على العدوِّ
وقال آخر:
فبثثت عمراً بعض ما في جوانحي ... وجرَّعته من مرِّ ما أتجرَّع
ولا بد من شكوى إلى حفيظةٍ ... إذا جعلت أسرار نفسي تطلَّع
وقال أبو الشص:
لا تأمن على سرِّي وسرَّكم ... غيري وغيرك أو طيَّ القراطيس
وقال ابن وطيع:
إذا كنت ذا سرًّ تخاف من أعدا ... عليه ظهوراً فاطوه دون ذي الودَّ
فيا ربَّ خلًّ حال عمَّا عهدته ... فظل لما قد كنت أودعته يبدي
وقال تشبيب بن البرصاء:
وإني لأكمن السِّرَّ عندي وإن أتى ... لذلك من عهد الأمانة حين
كمون النوى لايشعر النَّاس أنَّه ... ثوى في رفاق الأرض وهو دفين
وقال آخر:
تبوح بسرِّك ضيقاً به ... وتبغي لسرِّك من يكتم
وكتمانك السِّرَّ ممن تخاف ... ومن لا تخوَّفه أحزم
وقال آخر:
أداري خليلي ما أستقام بودِّه ... وأمنحه ودي إذا يتحبب
ولست ببادي صاحبي بقطيعةٍ ... ولا أنا مبدي سرَّه حين أغضب
ومما أنشده الرِّياشي رحمه الله:
بديهته قبل تدبيره ... متى رمته فهو مستجمع
وفي كفّه للغنى مطلبٌ ... وللسِّرَّ في صدره موضع
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: " لا تمنَّوا لقاء العدوّ، وإذا لقيتموهم فاثبتوا " قال أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه في كتابه إلى خالد بن الوليد: احرص على الموت توهب لك الحياة: أخذه الشاعر فقال:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياةً مثل أن أتقدَّما
ومن هذا قول الخنساء:
نهبن النفوس وهون النُّفو ... س عند الكريهة أوقى لها
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض بني عبسٍ: كم كنتم في يوم كذا؟ قال: كنا مائه، لم نكثر فنتوا كل ونفشل، ولم نقلَّ فنذلَّ. قال: فيم كنتم تظهرونّ على أعدائكم، ولستم بأكثر منهم؟ قال: كنا نصبر بعض الناس هنيهة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لابنه الحسن، وقد قيل لابنه محمد: يا بني! لاتدعون أحداً إلى البراز، فإنه بغي، ولا يدعونَّك أحد إله إلا أجبته.
وقد وفد على عمر بن الخطاب بفتح، فقال: متى لقيتم عدوكم؟ قالوا: أول النهار. قال: فمتى انهزموا؟ قالوا: آخر النهار، فقال: إناّ لله! وأقام الشرك للإيمان من أول النهار إلى آخره!! والله إن كان هذا إلاّ عن ذنب بعدى، أو أحدثته بعدكم، ولقد استعملت يعلى بن أميّة على اليمن استنصر لكم بصلاحه.