عائلي صغير -محاولة الإصلاح والقيام بعملية التحكيم بين الزوجين- وهي إحدى العمليات الاجتماعية Social Processes14 في علم الاجتماع الحديث- يقول تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} [النساء: 35] .

ومن عظمة القرآن أنه جعل الخطاب هنا للمؤمنين جميعاً -لأن المجتمع الإسلامي هو مجتمع الحب والحرص على مصالح الآخرين والتعاون- ولما كان أمر التحكيم لا يمكن أن يقوم به جميع المسلمين، فإن بعض المفسرين ذهبَ إلى أنه موجه إلى من يمثل الأمة أو الحاكم -ومساعديه- ذلك أن الحاكم المسلم مكلف بملاحظة أحوال الناس والعناية بها ومحاولة إصلاحها. وذكر آخرون أنه خطاب عام يدخل فيه الزوجان وأقاربهما فإذا استطاع الأقارب القيام بمهمة الإصلاح كان بها وإلا لكان الواجب إبلاغ الأمر إلى الحاكم15. وهنا المسئولية شركة بين جماعة المسلمين والحاكم، فالعضو في المجتمع الإسلامي مكلف بأن يلعب دورًا إيجابيًّا بناءً في حياة بقية الأعضاء، فهو إيجابي مشارك، وهذه هي ما يُطلق عليها المشتغلون بقضايا التنمية البشرية "المواطنة المشاركة" Participant Citizinship ولكن بالمفهوم الإسلامي البناء الذي ينبثق من عقيدة محددة. والله من وراء القصد دائمًا في عملية الإصلاح {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] ، وهذا توجيه إلهي كريم بضرورة إخلاص النية وتحري العدل والصبر في التحكيم من أجل الإصلاح، ويشير الله سبحانه وتعالى في نهاية الآية أن الله كان عليمًا خبيرًا فهو يعلم خائنةَ الأعين وما تخفي الصدور، وفي هذا حفز ودفع للمحكمين إلى إخلاص النية والصدق في الإصلاح، والحفاظ على تماسك الأسرة وتجنب الانفصال. وهذه هي الوسيلة الرابعة في محاولات الإصلاح -وهي محاولة من الخارج بعد أن فشلت المحاولات الذاتية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015