3 - ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطان، فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر بالمال والتفاخر بالجاه والتعزز بكثرة الأتباع، يدخل بعلمه كل مدخل رجاء أن يقضي من الدنيا وطره، وهو مع ذلك يضمر في نفسه أنه عند الله بمكانة لاتسامه بسمة العلماء وترسمه برسومهم في الزي والمنطق مع تكالبه على الدنيا ظاهراً وباطناً؛ فهذا من الهالكين ومن الحمقى المغرورين؛ إذ الرجاء منقطع عن توبته لظنه أنه من المحسنين، وهو غافل عن قوله تعالى: {يَأيُها الَّذين آمنوا لِمَ تَقولون ما لا تَفعَلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف: 2، 3).
وهو ممن قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال، الأئمةَ المضلين)) (?).
وهذا لأن الدجال غايته الإضلال، ومثل هذا العالم ـ وإن صرف الناس عن الدنيا بلسانه ومقاله ـ فهو دافع لهم إليها بأعماله وأحواله، ولسان الحال أفصح من لسان المقال، وطباع الناس إلى المساعدة في الأعمال أميل منها إلى المتابعة في الأقوال، فما أفسده هذا المغرور بأعماله أكثر مما أصلحه بأقواله؛ إذ لا يستجرئ الجاهل على الرغبة في الدنيا إلا باستجراء العلماء، فقد صار علمه سبباً لجرأة عباد الله على معاصيه، ونفسه الجاهلة - مع ذلك - تمنيه وترجيه، وتدعوه إلى أن يمن على الله بعلمه، وتخيل إليه نفسه أنه خير من كثير من عباد الله.
فكن أيها الطالب من الفريق الأول واحذر أن تكون من الفريق الثاني، فكم من مسوف عاجله الأجل قبل التوبة فخسر، وإياك ثم إياك أن تكون من الفريق الثالث فتهلك هلاكاً لا يُرجى معه فلاحك.