في بدء تعريفه بالله ربّاً: {اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، فهو الرب إذن، وأول ما وصف به نفسه تعالى أنه {الَّذِي خَلَقَ}؛ لأن الربوبية إنما ترجع في حقيقتها إلى هذا المعنى كما بيناه آنفاً. ومن هنا اطراد هذا المبدأ في القرآن الكريم، حتى لا تكاد تخلو سورة منه، بدءاً بالفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ حتى سورة الناس: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. فالقرآن كله إذن قائم على ترسيخ مفهوم الرب في قلوب المربوبين، عسى أن تستجيب فطرهم لأداء حق الربوبية، بتوحيد الألوهية عبادةً لله رب العالمين.

وخلاصة الأمر أن الخالق مالك، وأن المالك رب، ذلك أنه تعالى خلق فملك، وملك فرَبَّ. فهذه معان بعضها يحيل على بعض، حتى كان لفظ (الرب) جماعها؛ فجمع بذلك كل أوصاف الكمال والجمال والجلال، من الأسماء الحسنى والصفات العلى.

- ولننصت الآن في ذلك إلى القرآن العظيم، حيث يقول الله عز وجل معرفاً بذاته سبحانه: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الحشر:24]، فقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ} جملة اسمية من مبتدأ وخبر، فيها معنى الجواب عن سؤال تقديره: سؤال السائل عن الرب (من هو؟)، فقال: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24]؛ أي (الرب هو الله)؛ لأن الضمير (هو) لابد أن يعود على معاد سابق، كما قال الله حكاية لحوار فرعون مع موسى وهارون: {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015