بغيه الوعاه (صفحة 543)

كَانَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور أبي عَامر مُحَمَّد بن أبي عَامر، وَمِمَّنْ يحضر مجالسه، واجتماعاته مَعَ أبي الْعَلَاء صاعد بن الْحسن اللّغَوِيّ مَشْهُورَة، أَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو خَالِد ابْن الرَّأْس بن الْمَنْصُور؛ أَن أَبَا عَامر صَاحب الأندلس جِيءَ إِلَيْهِ بوردة فِي مجْلِس من مجَالِس أنسه أول ظُهُور الْورْد، فَقَالَ فِي الْوَقْت أَبُو الْعَلَاء - وَكَانَ حَاضرا - يُخَاطب الْمَنْصُور:

(أتتك أَبَا عَامر وردة ... يحاكي لَك الْمسك أنفاسها)

(كعذراء أبصرهَا مبصر ... فغطت بأكمامها راسها)

فَاسْتحْسن الْمَنْصُور مَا جَاءَ بِهِ، وَتَابعه الْحَاضِرُونَ، فحسده أَبُو الْقَاسِم بن العريف - وَكَانَ حَاضرا - فَقَالَ: هِيَ للْعَبَّاس بن الْأَحْنَف، فناكره صاعد، فَقَامَ ابْن العريف إِلَى منزله، وَوضع أبياتا وأثبتها فِي دفتر، وأتى بهَا قبل افْتِرَاق الْمجْلس، وَهِي:

(عشوت إِلَى قصر عباسة ... وَقد بدل النّوم حراسها)

(فألفيتها وَهِي فِي خدرها ... وَقد صرع السكر أناسها)

(فَقَالَت أسار على هجعة ... فَقلت: بلَى فرمت كاسها)

(ومدت إِلَيّ وردة كفها ... يحاكي لَك الْمسك أنفاسها)

(كعذراء أبصرهَا مبصر ... فغطت بأكمامها راسها)

(وَقَالَت: خف الله لَا تفضحن ... فِي ابْنة عمك عباسها)

(فوليت عَنْهَا على غَفلَة ... وَمَا خُنْت ناسي وَلَا ناسها)

قَالَ: فَخَجِلَ صاعد، وَحلف فَلم يقبل؛ وافترق الْمجْلس على أَنه سَرَقهَا.

قلت: لَهُ شرح على الْجمل، وقفت عَلَيْهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015