كَانَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور أبي عَامر مُحَمَّد بن أبي عَامر، وَمِمَّنْ يحضر مجالسه، واجتماعاته مَعَ أبي الْعَلَاء صاعد بن الْحسن اللّغَوِيّ مَشْهُورَة، أَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو خَالِد ابْن الرَّأْس بن الْمَنْصُور؛ أَن أَبَا عَامر صَاحب الأندلس جِيءَ إِلَيْهِ بوردة فِي مجْلِس من مجَالِس أنسه أول ظُهُور الْورْد، فَقَالَ فِي الْوَقْت أَبُو الْعَلَاء - وَكَانَ حَاضرا - يُخَاطب الْمَنْصُور:
(أتتك أَبَا عَامر وردة ... يحاكي لَك الْمسك أنفاسها)
(كعذراء أبصرهَا مبصر ... فغطت بأكمامها راسها)
فَاسْتحْسن الْمَنْصُور مَا جَاءَ بِهِ، وَتَابعه الْحَاضِرُونَ، فحسده أَبُو الْقَاسِم بن العريف - وَكَانَ حَاضرا - فَقَالَ: هِيَ للْعَبَّاس بن الْأَحْنَف، فناكره صاعد، فَقَامَ ابْن العريف إِلَى منزله، وَوضع أبياتا وأثبتها فِي دفتر، وأتى بهَا قبل افْتِرَاق الْمجْلس، وَهِي:
(عشوت إِلَى قصر عباسة ... وَقد بدل النّوم حراسها)
(فألفيتها وَهِي فِي خدرها ... وَقد صرع السكر أناسها)
(فَقَالَت أسار على هجعة ... فَقلت: بلَى فرمت كاسها)
(ومدت إِلَيّ وردة كفها ... يحاكي لَك الْمسك أنفاسها)
(كعذراء أبصرهَا مبصر ... فغطت بأكمامها راسها)
(وَقَالَت: خف الله لَا تفضحن ... فِي ابْنة عمك عباسها)
(فوليت عَنْهَا على غَفلَة ... وَمَا خُنْت ناسي وَلَا ناسها)
قَالَ: فَخَجِلَ صاعد، وَحلف فَلم يقبل؛ وافترق الْمجْلس على أَنه سَرَقهَا.
قلت: لَهُ شرح على الْجمل، وقفت عَلَيْهِ.