وعلى قول هؤلاء إنما يرى أخفى ما يكون أو يرى على وجه تستوي الموجودات كلها في رؤيته فإنهم إذا جعلوه الوجود المطلق ووصفوه بالسلوب كانت الرؤية من جنس العلم إن هذا ونحوه لا يرى بالعين وإن جعلوه الوجود الذي في المخلوقات جعلوا رؤيته كرؤية كل موجود من خفي وجلي وعلى التقديرين فهم مخالفون للنصوص السلبية التي احتجوا بها.
الوجه الثالث:
إنه قال: "لا تضامون في رؤيته" و"لا تضارون في رؤيته" أي لا يلحقكم ضير ولا ضيم.
وروى "لا تضارون ولا تضامون" أي لا يضر بعضكم بعضا ولا ينضم بعضكم إلى بعض كما جرت عادة الناس بالازدحام عند رؤية الشيء الخفي كالهلال ونحوه وهذا كله بيان لرؤيته في غاية التجلي والظهور بحيث لا يلحق الرائي ضرر ولا ضيم كما يلحقه عند رؤية الشيء الخفي والبعيد والمحجوب ونحو ذلك.
وعلى قول هؤلاء الجهمية الأمر بالعكس فإنهم إذا قالوا يتجلى في كل صورة من صورة الذباب والبعوض والبق والهلال والسها ونحو ذلك من الأجسام الصغيرة فمعلوم ما يلحق في رؤيتها من الضيم لا سيما وعند صاحب الفصوص لا يراه إنما يرى الذوات التي يتجلى فيها وأما إذا جعل الرؤية من جنس العلم فجنس هذه لا يبقى فيها ضرر ولا ضيم ولا يلحق فيها زحمة ولا مشقة فتكون بين ذلك مما هو علم أو كالعلم عديم الفائدة بعيد