فإذا كان هذا حال بني آدم عوامهم وخواصهم من جميع الأصناف في الإنسان ظهر أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الدلائل على نفي ربوبية الدجال كان من أحسن الأدلة وأثبتها وأنفعها للعامة والخاصة وظهر بهذا أن غيره من الأنبياء وإن لم يقلها لكون الأدلة متعددة فالذي قالها كان أعلم بما ينفع الناس وأحرص عليهم وأرحم بهم كما قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} فإن الدليل الواضح الظاهر عند اضطراب القلوب واشتباه الحق وافتتان كثير من الخلق أو أكثرهم ينفع ويظهر الحق ويدفع الباطل ما لا تسعه الأدلة الحسية وإن كانت قطعية يقينية والمقصود من الأدلة والأعلام هدى العباد وإرشادهم فكل ما كان من الأدلة أدل على الحق وأنفع للخلق كان أرجح مما ليس كذلك.
والحمد لله الذي بعث إلينا رسولا من أنفسنا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة فهذا هو الوجه الأول وبيان أن أحدا من الناس لا يرى الله في الدنيا بعينه لا في صورة ولا في غير صورة وأن الحديث الذي احتج به الإتحادية على تجليه لهم من الصور في الدنيا يدل على نقيض ذلك.
الوجه الثاني:
إنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تضامون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب؟ " قالوا: لا قال: "فهل تضامون في رؤية القمر صحوا ليس دونه سحاب؟ " قالوا: لا قال: فإنكم ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر".