[البقرة: 1، 2] ذهابا إلى بعد درجته، ونحوه: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} [الزخرف: 72] ، ولذا قالت: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] ، لم تقل: "فهذا" وهو حاضر1؛ رفعا لمنزلته في الحسن، وتمهيدا للعذر في الافتتان به.

وقد يجعل "البعد" ذريعة إلى التحقير، كما يقال: "ذلك اللعين فعل كذا".

وإما للتنبيه -إذا ذُكر قبل المسند إليه مذكور2 وعُقِّب بأوصاف- على أن ما يرد بعد اسم الإشارة المذكور جدير باكتسابه من أجل تلك الأوصاف؛ كقول حاتم الطائي "من الطويل":

ولله صعلوك يساور همه ... ويمضي على الأحداث والدهر مقدما3

فتى طلبات لا يرى الخمْص تَرْحَة ... ولا شِبْعة إن نالها عد مغنما4

إذا ما رأى يوما مكارم أعرضت ... تيمم كبراهن ثمت صَمَّما5

ترى رمحه ونبله ومِجَنّه ... وذا شُطَب عَضْب الضريبة مِخْذَما6

وأحناء سرج قاتر ولجامه ... عتاد أخي هَيْجا وطِرْفا مُسَوَّما7

فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه ... وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما8

فعدّد له -كما ترى- خصالا فاضلة من المَضَاء على الأحداث مُقْدِما، والصبر على ألم الجوع، والأنفة من عد الشبعة مغنما، وتيمم كبرى المكرمات، والتأهب للحرب بأدواتها، ثم عقب ذلك بقوله: "فذلك"، فأفاد أنه جدير باتصافه بما ذُكر بعده. وكذا قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] أفاد اسم الإشارة زيادة الدلالة على المقصود من اختصاص المذكورين قبله باستحقاق الهدى من ربهم والفلاح.

وإما لاعتبار آخر مناسب9.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015