فإنه جعل للشمال يدا، ومعلوم أنه ليس هناك أمر ثابت حسا أو عقلا تجري اليد عليه؛ كإجراء الأسد على الرجل الشجاع، والصراط على ملة الإسلام فيما سبق1، ولكن لما شبه الشمال لتصريفها القرة -على حكم طبيعتها في التصريف- بالإنسان المصرِّف لما زمامه بيده؛ أثبت لها يدا على سبيل التخييل مبالغة في تشبيهها به، وحكم الزمام في استعارته للقرة2 حكم اليد في استعارتها للشمال، فجعل للقرة زماما ليكون أتم في إثباتها مُصَرَّفة، كما جعل للشمال يدا ليكون أبلغ في إثباتها مصرفة، فوفّى المبالغة حقها من الطرفين؛ فالضمير في "أصبحت" و"زمامها" للقرة، وهو قول الزمخشري، والشيخ عبد القاهر جعله للغداة3, والأول أظهر.
واعلم أن الأمر المختص بالمشبه به المثبت للمشبه، منه ما لا يكمل وجه الشبه في المشبه به بدونه, كما في قول أبي ذؤيب الهذلي:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيتَ كل تميمة لا تنفع4
فإنه شبه المنية بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة، من غير تفرقة بين نفّاع وضرّار ولا رقة لمرحوم، ولا بُقْيا على ذي فضيلة، فأثبت للمنية الأظفار التي لا يكمل ذلك في السبع بدونها؛ تحقيقا للمبالغة في التشبيه5.
ومنه ما به يكون قوام وجه الشبه في المشبه به، كما في قول الآخر: