إذ لو قال: "حززن اللحم" لجاز أن يتوهم السامع قبل ذكر ما بعده أن الحز كان في بعض اللحم ولم ينته إلى العظم، فترك ذكر اللحم ليبرئ السامع من هذا الوهم، ويصور في نفسه من أول الأمر أن الحز مضى في اللحم حتى لم يرده إلا العظم1.

وإما لأنه أريد ذكره ثانيا على وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه؛ إظهارا لكمال العناية بوقوعه عليه2؛ كقول البحتري أيضا "من المنسرح":

قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ ... دد والمجد والمكارم مِثْلا3

أي: قد طلبنا لك مثلا في السؤدد والمجد والمكارم، فحذف المثل؛ إذ كان غرضه أن يوقع نفي الوجود على صريح لفظ المثل4, ولأجل هذا المعنى بعينه عكس ذو الرمة في قوله "من الوافر":

ولم أمدح لأرضيه بشعري ... لئيما أن يكون أصاب مالا5

فإنه أعمل الفعل الأول الذي هو "أمدح" في لفظ اللئيم، والثاني الذي هو "أرضي" في ضميره؛ إذ كان غرضه إيقاع نفي المدح على اللئيم صريحا دون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015