وأما على المشهور1 فلا التفات في البيت الأول، وفي الثاني التفاتة واحدة، فيتعين أن يكون في الثالث التفاتتان، فقيل: هما في قوله: "جاءني" إحداهما باعتبار الانتقال من الخطاب في البيت الأول، والأخرى باعتبار الانتقال من الغيبة في الثاني. وفيه نظر؛ لأن الانتقال إنما يكون من شيء حاصل ملتَبَس به؛ وإذ قد حصل الانتقال من الخطاب في البيت الأول إلى الغيبة في الثاني لم يبق الخطاب حاصلا ملتبَسا به؛ فيكون الانتقال إلى التكلم في الثالث من الغيبة وحدها، لا منها ومن الخطاب جميعا؛ فلم يكن في البيت الثالث إلا التفاتة واحدة، وقيل: إحداهما في قوله: "وذلك"؛ لأنه التفات من الغيبة إلى الخطاب2، والثانية في قوله: "جاءني"؛ لأنه التفات من الخطاب إلى التكلم، وهذا أقرب.

بلاغة الالتفات:

واعلم أن الالتفات من محاسن الكلام، ووجه حسنه -على ما ذكر الزمخشري- هو أن الكلام إذا نُقل من أسلوب إلى أسلوب3 كان ذلك أحسن تطرية4 لنشاط السامع، وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015