فإنه معلوم أنه لم يرد أن يُعرِّض بواحد هناك فيصفه بأنه ينخدع؛ بل أراد أنه ليس ممن ينخدع. وكذا قول أبي تمام "من الوافر":

وغيري يأكل المعروف سُحْتا ... ويشحُب عنده بيِض الأيادي1

فإنه لم يرد أن يعرض بشاعر سواه فيزعم أن الذي قُرف به عند الممدوح من أنه هجاه كان من ذلك الشاعر لا منه، بل أراد أن ينفي عن نفسه أن يكون ممن يكفر النعمة ويلؤم لا غير.

واستعمال "مثل" و"غير" هكذا مركوز في الطباع، وإذا تصفّحت الكلام وجدتهما يُقدَّمان أبدا على الفعل إذا نُحِي بهما نحو ما ذكرناه، ولا يستقيم المعنى فيهما إذا لم يقدما، والسر في ذلك أن تقديمهما يفيد تقوي الحكم كما سبق تقريره، وسيأتي أن المطلوب بالكناية في مثل قولنا: "مثلك لا يبخل, وغيرك لا يجود" هو الحكم2، وأن الكناية أبلغ من التصريح فيما قصد بها، فكان تقديمهما أعون للمعنى الذي جُلبا لأجله.

قيل3: " ... وقد يقدم؛ لأنه4 دال على العموم5 كما تقول: "كل إنسان لم يقم"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015