عند الله بالتَّقوى وحقائِق الإِيمان، لا بفقر ولا غِنى، قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} ولم يقل: أَفقركم أَو أَغناكم.
ثمّ اعلم أَنَّ الفَقْر والغِنَى ابتلاء لعبده كما قال تعالى: {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ كَلاَّ} أَى ليس كلّ من أَعطيتهُ ووسَّعت عليه فقد أَكرمته، لا كلُّ من ضيَّقت عليه وقَتَرت عليه الرزق فقد أَهنته والإِكرام أَن يكرم العبد بطاعته ومحبَّته ومعرفته، والإِهانة أَن يسلبه ذلك. ولا يقع التفاضل بالغنى والفقر بل بالتقوى. وقال بعضهم: هذه المسأَلة محال أَيضاً من وجه آخر، وهو أَنَّ كًّلا من الغنىّ والفقير لا بدّ له من صبر وشكر، فإِنَّ الإِيمان نصفان: نصفٌ صبر، ونصفٌ شكر. بل قد يكون قسط الغنِىّ من الصَّبر أَوفى، لأَنه يصبر عن قدرة، فصبره أَتمّ من صبر من يصبر عن عجز، ويكون شكر الفقير أَتمّ، لأَن الشكر هو استفراغ الوسع فى طاعة الله، والفقير أَعظم فراغا بالشكر من الغنِىّ. وكلاهما لا يقوم قائمة إِيمانه إِلا على ساق الصَّبر والشكر.
نعم الَّذى رجع الناس إِليه فى المسأَلة أَنَّهم ذكروا نوعا من الشكر، ونوعا من الصَّبر، وأَخذوا فى التَّرجيح، فجردوا غنيًّا مُنفقاً متصدِّقاً باذلا ماله فى وجوه القُرَب، شاكرًا الله عليه؛ وفقيرا متفرِّغاً لطاعة الله ولأوراد العبادات، صابرًا على فقره، هل هو أَكمل من ذلك الغنى أَم بالعكس. فالصَّواب فى مثل هذا أَنّ أَكملهما أَطوعهما، فإِن تساوت طاعتهما تساوت درجتهما والله أَعلم.