(فيا سوأتا قد آن وَقت ترحلي ... وَهَا أَنا فِي الميدان ألهو وألعب)
(فَإِن لم تَجِد بِالْعَفو مِنْك عَن الَّذِي ... جنته يَدي إِنِّي إِذا لمخيب)
ذكر أَنه كَانَ بِالْبَصْرَةِ فَتى وَكَانَ مُسْرِفًا على نَفسه مَا ترك ذَنبا إِلَّا ارْتَكَبهُ وَلَا شرا إِلَّا اكْتَسبهُ فَلَمَّا مرض لم يعده أحد من جِيرَانه فَدَعَا بَعضهم وَقَالَ إِنَّه قد نزل بِي مَا ترى فَإِذا مت فادفني فِي زَاوِيَة من زَوَايَا بَيْتِي فقد أذيت جيراني فِي حَياتِي وَمَا أحب أَن أضرّ بالموتى بعد وفاتي
فرؤي بعد مَوته فِي الْمَنَام فِي حَالَة حَسَنَة فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ أوقفني بَين يَدَيْهِ وَقَالَ يَا عَبدِي هجروك جيرانك حنقا عَلَيْك وضيقوا مسالك الرَّحْمَة بَين يَديك فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي وجودي ومجدي وارتفاعي فَوق علو مَكَاني مَا ضَاقَتْ رَحْمَتي عَنْك عَبدِي هَذِه خلع مغفرتي ومنازل جنتي وَخَاتم أماني وسجل إحساني وَأَنا الغفور الرَّحِيم
قَالَ الْحسن رَحمَه الله قد علم الله منا قبل أَن يخلقنا أننا نذنب ونعصيه وَلم يمنعهُ ذَلِك منا أَن جعلنَا مُسلمين
فَالله الله يَا أهل الذُّنُوب مثلي بَادرُوا قبل نزُول السكرات وَوُقُوع الحسرات واجتهدوا فَإِن الْمَوْت آتٍ وكل آتٍ فَهُوَ قريب
قد آن وَكلما آن فقد حَان
وأنشدوا
(أآمل أَن أخلد والمنايا ... يثبن إِلَيّ من كل النواحي)
(وَلَا أَدْرِي إِذا أمسيت حَيا ... لعَلي لَا أعيش إِلَى الصَّباح)
عباد الله أيامكم مراحل تقطعونها وساعاتكم مناهل تردونها وَالْمَوْت يطوف عَلَيْكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار لَا يُؤَخر من فقدت ساعاته وفرغت أَيَّامه وأوقاته
يحْكى عَن بعض السَّادة الأخيار أَنه قَالَ خرجت يَوْمًا لزيارة الْقُبُور فَإِذا بِقوم يحملون جَنَازَة فتقدمت إِلَيْهَا وَصليت بهم ثمَّ شهِدت دَفنهَا فنعست نعسه فَأَتَانِي آتٍ فَقَالَ لي قد غفر الله لهَذَا الْمَيِّت على ظلمَة ذنُوبه فانتبهت مَرْعُوبًا فَأخْبرت بذلك أم الْمَيِّت فَقَالَت الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالله لقد كَانَ مُسْرِفًا على نَفسه فَلَمَّا نزل بِهِ الْمَوْت بَكَى وَقَالَ لي يَا أُمَّاهُ ضعي خدي على الأَرْض وَالتُّرَاب فَفعلت ذَلِك فَقَالَ ضعي قدمك على خدي وادعي الله واستوهبيني مِنْهُ فَلَعَلَّهُ يرحمني وإقلعي