(ترجو النجَاة وَلم تسلك مسالكها ... إِن السَّفِينَة لَا تجْرِي على اليبس)
فاعلموا يَا معشر بني آدم أَن الْمَوْت لَا يتْرك مِنْكُم أحدا وَلَا يرحم والدا وَلَا ولدا فَاجْعَلُوهُ بَين أعينكُم مَنْصُوبًا فَإِنَّهُ لَا يتْرك الْفَرح كئيبا مكروبا فيقيننا يَقِين من يَمُوت وأعمالنا أَعمال من لَا يَمُوت كَأَن يقيننا بِالْمَوْتِ مشوبا بِالشَّكِّ وَكَأن إيمَاننَا بِالْبَعْثِ ممزوجا بالإفك مَا هَذِه حَال من أَيقَن بالحمام يَعْصِي مَوْلَاهُ فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّام
وأنشدوا
(نَحن من الْعُمر فِي ظنون ... وَفِي يَقِين من الْمنون)
(ثمت لَا نذْكر المنايا ... أَلَيْسَ ذَا غَايَة الْجُنُون)
ذكر عَن بعض الصَّالِحين أَنه قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام رجلا وَهُوَ فِي بَريَّة وأمامه غزالة وَهُوَ يجْرِي خلفهَا وَهِي تَفِر مِنْهُ وَأسد كأعظم مَا يكون خلقَة وَقد هم أَن يلْحقهُ وَالرجل يرد رَأسه وَينظر إِلَى الْأسد فَلَا يجزع مِنْهُ ثمَّ يجْرِي خلف الغزالة حَتَّى لحق بِهِ الْأسد فَقتله فوقفت الغزالة تنظر إِلَيْهِ وَهُوَ مقتول إِذْ جَاءَ رجل آخر قد فعل مَا فعله الْمَقْتُول فَقتله الْأسد وَلم يدْرك الغزالة فَخرج آخر فَفعل كَذَلِك قَالَ فَمَا زلت أعد وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى عددت مائَة رجل صرعى والغزالة واقفة فَقلت إِن هَذَا لعجب فَقَالَ الْأسد مِم تعجب أَو مَا تَدْرِي من أَنا وَمن هَذِه الغزالة فَقلت لَا فَقَالَ أَنا ملك الْمَوْت وَهَذِه الغزالة الدُّنْيَا وَهَؤُلَاء أَهلهَا يَجدونَ فِي طلبَهَا وَأَنا أقتلهم وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى آتِي على آخِرهنَّ فَاسْتَيْقَظت فَزعًا مَرْعُوبًا وأنشدوا
(حَتَّى مَتى وَإِلَى مَتى نتوانى ... وأظن هَذَا كُله نِسْيَانا)
(وَالْمَوْت يطلبنا حثيثا مسرعا ... إِن لم يزرنا بكرَة مسانا)
(إِنَّا لنوعظ بكرَة وَعَشِيَّة ... وكأنما يَعْنِي بِذَاكَ سوانا)
(غلب الْيَقِين على التشكك فِي الردى ... حَتَّى كَأَنِّي قد أرَاهُ عيَانًا)
(يَا من يصير غَدا إِلَى دَار البلى ... وَيُفَارق الإخوان والخلانا)
(إِن الْأَمَاكِن فِي الْمعَاد عزيزة ... فاختر لنَفسك إِن عقلت مَكَانا)
(وَانْظُر لنَفسك إِن أردْت تعزها ... قبل الْمَمَات وَلَا تكن مهوانا)