يَا مِسْكين أنفقت مَالك فِي بُنيان الدّور وتشييد الْقُصُور ونسيت الْمَوْت والتحول إِلَى ظلمَة الْقُبُور ثاويا فِيهَا إِلَى يَوْم النشور وأنشدوا
(أَلا للخراب بنى العامرونا ... وللموت مَا ولد الوالدونا)
(وَعَما قَلِيل يرى الْآخرُونَ ... عجائب مَا قد رأى الأولونا)
(ويشقى أنَاس بِمَا جمعُوا ... ويسعد بالقلة الزاهدونا)
(وَلَا يرحمون إِذا مَا بكوا ... وَلَا يرتجي الرَّحْمَة الظالمونا)
(وَيسْأل قوم هُنَاكَ الرُّجُوع ... فَلَا يرجعُونَ وَلَا يكرمونا)
اعْلَم يَا مِسْكين أَن الْمنية خير من الْحَيَاة الدنية يَا ابْن آدم الرقاد وَالله تَحت التُّرَاب خير لمعصيتك لرب الأرباب
رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (كفى بِالْمَوْتِ واعظا وَكفى بِالْعبَادَة شغلا وَكفى بالقين غناء) وَاعْلَمُوا عباد الله أَنه لَا أمة بعد أمتكُم وَلَا نَبِي بعد نَبِيكُم وَإِنَّمَا ينْتَظر بأولكم أَن يلْحق آخركم ثمَّ يجمعُونَ فِي عَرصَة الْقِيَامَة لوُقُوع الْحَسْرَة والندامة عِنْد ذَلِك لَا ينفعكم مَال وَلَا بنُون ويحال بَيْنكُم وَبَين مَا تشتهون ويحيق بكم مَا كُنْتُم بِهِ تستهزؤون
وأنشدوا
(كل حَيّ وَإِن بَقِي ... فَمن الْمَوْت يَسْتَقِي)
(فاعمل الْيَوْم واجتهد ... بَادر الْيَوْم يَا شقي)
ذكر عَن أبي الْعَتَاهِيَة رَحمَه الله أَنه دخل يَوْمًا على الرشيد فَقَالَ لَهُ الرشيد أَنْشدني فَقَالَ اجْعَل لي الْأمان قَالَ أَنْت آمن فَأَنْشَأَ وَأنْشد
(لَا تأمن الْمَوْت فِي طرف وَلَا نفس ... وَإِن تسترت بالحجاب والحرس)
(وَاعْلَم بِأَن سِهَام الْمَوْت قاصدة ... لكل مدرع منا ومترس)
(مَا بَال دينك ترْضى أَن تدنسه ... وثوبك الدَّهْر مغسول من الدنس)